Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتخابات البلدية في لبنان: قوى شابة أسيرة العصبيات العائلية

تعكس "التعقيدات" السياسية والاجتماعية المتحكمة في المشهد السياسي بالبلاد

أثبتت الجولات الانتخابية المتعاقبة شدة الصراع بين قوى التغيير الشابة في مقابل البنى التقليدية المترسخة (أ ف ب)

ملخص

أثبتت الانتخابات البلدية في لبنان قوة التأثير التي تمارسها "العصبية" في المشهد السياسي العام، وتمكنت من استقطاب شريحة كبيرة من الشباب وقوى التغيير، وجعلها امتداداً لقوى التقليد والحسابات العائلية والتوازنات السياسية.

يعود تاريخ البلديات في لبنان إلى عهد السلطنة العثمانية، ففي عام 1856 شهدت بلدة دير القمر في منطقة الشوف ولادة أول بلدية بتاريخ البلاد التي كان يسيطر النمط الإنتاجي الزراعي والعصبيات العائلية عليها، في تلك الفترة شكل الأعيان رافعة للمجالس التمثيلية، وكانوا يجتمعون مرة واحدة في الأسبوع للبت بشؤون البلدات.

بعد مرور قرن من الزمن تقريباً نظمت سلطات ما بعد الاستقلال أول انتخابات بلدية عام 1952، وبعد مرور 11 عاماً دعيت الهيئات الناخبة للمشاركة في ثاني عرس ديمقراطي بلدي في 1963، وخلال الفترة الفاصلة بين الانتخابين حصلت المرأة على حق الترشح والانتخاب في 1953.

مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 دخلت المجالس البلدية اللبنانية في مرحلة سبات عميق، وما كان من السلطات إلا الانتقال من تمديد إلى تمديد آخر علماً أن مدة الولاية القانونية هي ستة أعوام، واستمر الأمر على حاله إلى عام 1998، عندما نظمت الحكومة الانتخابات للمرة الأولى بعد نهاية الحرب.

في 2016 شهد لبنان آخر انتخابات بلدية على مستوى البلاد، وبعد ثلاثة أعوام من التمديد، حمل العهد الجديد برئاسة جوزاف عون ونواف سلام على عاتقهما مهمة إتمام الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها. وتحولت الانتخابات البلدية الحالية إلى فرصة، استغلتها الأحزاب والقوى الطائفية لاختبار استعداداتها للمواجهة مايو (أيار) الجاري، إذ يتوقع إجراء الانتخابات النيابية المقبلة.

الشباب في قلب المعركة

تعكس الانتخابات البلدية في لبنان "التعقيدات" السياسية والاجتماعية التي تتحكم في المشهد السياسي اللبناني، فهي تأتي لتثبت مجدداً عمق "العصبيات العائلية" ورسوخها ودورها في تقرير المواقف والنتائج، وتمكنت روابط الدم والقربى وتحدي الآخر في القرية من شق الاصطفافات السياسية والبنى الحزبية الصلبة.

في المقابل، شهدت مدن كبرى "نزالاً" بين مجموعات شبابية، والتحالفات العائلية التي تحظى بغطاءات سياسية، وهو ما شهدناه في طرابلس، حيث فازت لائحة "نسيج" المؤلفة من مجموعة شابة بنصف المجلس البلدي في العاصمة الثانية للبلاد (طرابلس)، فيما ظهر بعد آخر لتلك الاندفاعة في محافظة بعلبك - الهرمل (شرق)، وتبرز بوادرها في محافظة الجنوب والنبطية، حيث يحاول الشبان "منع التزكية" المفروضة من الثنائي.

أنصار ضد التزكية

في بلدة أنصار الجنوبية شكل مجموعة من المرشحين الشباب لائحة لمواجهة "لائحة التنمية والوفاء". ويشير الناشط يوسف عاصي إلى أن "الترشيح جاء لمنع التزكية حيث نشهد تحالفات تتجاوز الثنائي (حزب الله وحركة أمل) إلى رباعي، يضم التحالف حركة ’أمل‘ و’حزب الله‘، و’الشيوعي‘ و’القومي السوري‘، إضافة إلى العائلات في محاولة لاستغلال النظام الأكثري ومنع الانتخابات، وتحويلها إلى ما يشبه المسرحية والتعيين"، موضحاً أن "التحالف السياسي بذل جهوداً مع العائلات وتوزيع المجلس إلى حصص عائلية وحزبية".

 

 

ويعتقد عاصي أن "مساعي التزكية هي في غاية الخطورة، لأنها تحرم الناس من التمثيل، وتشكل نسفاً للديمقراطية"، ويضيف "نحن في بيئة لا يمكنك الترشح باكراً للانتخابات، لأنك ستتعرض للمحاربة والضغط، من هنا حتى الساعة الـ11 والنصف قبل منتصف الليل، تقدمنا بترشيحات المرشحين الخمس"، إذ تتألف اللائحة من ثلاثة شبان وشابتين من أصحاب الاختصاص، و"وضعوا برنامجاً انتخابياً تنموياً"، متهماً الأحزاب بـ"شق صفوف العائلات وبث المشكلات بين الإخوة من أجل إعطاء الأولوية للحزبيين". ويأسف عاصي لتقديم لوائح الأحزاب مفهوم "الوجاهة" على حساب الخدمة العامة، ولذلك يضع ترشيح اللائحة الشبابية ضمن خانة تقديم طرح جديد بأبعاد ديمقراطية، مقراً بوجود "ضغوط ناعمة" من قبل الأخصام. ويشكك في قدرة لائحة الأحزاب على تقديم الإنماء للمنطقة لأنها لا تشكل فريق عمل متكامل، وعدم الاتفاق على رئاسة البلدية والحساسيات بين المكونات العائلية.

التغيير في مواجهة التقليد

أثبتت الجولات الانتخابية المتعاقبة شدة الصراع بين قوى التغيير الشابة والديمقراطية، في مقابل البنى التقليدية المترسخة والممارسات السياسية القائمة في لبنان على الزبائنية والمحسوبيات والخطاب الطائفي والعصبيات العائلية.

ويقرأ المتخصص في علم النفس السياسي فضل فقيه في المشهد الانتخابي البلدي، ملاحظاً المشاركة الضعيفة في الانتخابات البلدية بشكل عام، وتقدم الحسابات العائلية على السياسات الشبابية، إذ "شارك الشباب في الانتخابات لإعطاء زخم للأوزان العائلية، وليس من أجل التصويت للقناعات والخيارات"، ويتضح "تحول الشباب إلى امتداد للبنى التقليدية، وليس كقوة تغييرية في مقابل انكفاء الشريحة التي لا تتوافق مع توجهات العائلة". ويتطرق فقيه إلى المساعي الشبابية لكسر الاحتكار السياسي في البقاع وبعلبك وفي الجنوب، وهي تختلف عما وجدناه في بيروت وجبل لبنان والشمال، حيث "يتمظهر في الجنوب الخطاب القائم على مواجهة التهديد، ومقاربة الأخطار الخارجية، والخطر الوجودي على حساب الشق الإنمائي، وهو ما يحاول الشباب مواجهته". من ناحية أخرى، يأسف فقيه فقيه لتفريغ البلديات من أي موازنة إنمائية عامة، وتحويلها إلى مؤسسة قائمة على المحسوبيات. ويناقش فقيه في "امتناع النخب عن خوض الانتخابات المحلية"، ويعزوها إلى "كيفية ممارسة العمل البلدي، وفلسفة الحكم والانتخاب في لبنان، حيث يغلب الشق العاطفي على العقلاني، وانتخاب من يقوم بالواجبات العائلية على حساب الشق العقلاني الباحث عن مشاريع تنموية عامة، وهم بالتالي غير قادرين على استقطاب المواطنين".

ويقر بدور ما للانتخابات البلدية في "إعادة تظهير العصبيات، إذ تبرز ببعدها الطائفي، وبعدها العائلي في التنافس البلدي بسبب الصراع على السلطة داخل أبناء الطائفة الواحدة"، مضيفاً "لا أتفاجأ عندما أرى خسارة القوى التغييرية، لأن الناس لم تقتنع بعد بالطرح الجديد على أنه بديل حقيقي، وبسبب سيطرة التيارات التقليدية لأن التغيير في حاجة إلى عشرات الأعوام"، و"هناك حاجة إلى مواجهة مع أقطاب القوى التي لن تسلم السلطة بصورة سهلة، وقدرتها على توزيع قطع الحلوى بين الحلفاء والخصوم"، معتقداً أن "التركيز على الجانب الاقتصادي هو المدخل الأساس لخدمة الناس والعامة".

رقابة مستمرة

مع اكتمال الاستعدادات للانتخابات البلدية والاختيارية بدأت عملية الرقابة من قبل المجتمع المدني اللبناني لشفافية ونزاهة الحملات الانتخابية وعملية الاقتراع. وتشير ديانا البابا المديرة المسؤولة في جمعية "لادي" إلى الجهوزية التامة لمراقبة الدورات الانتخابية الأربع، وبدء فرق الإشراف والمراقبة عملها بمراقبة الحملات، متحدثة عن تعاون مع وزارة الداخلية. وتفيد بأن الرقابة تشمل البلديات الكبيرة في الحجم، وعينات من البلديات الصغيرة، لأننا أمام 1035 بلدية، وعملية الرصد تشمل أوسع شريحة ممكنة، كذلك تشمل الرقابة على الأرض والحملات الميدانية واحتمال وجود انتهاكات ورصد إمكان وجود ضغوط على المرشحين والمرشحات، إضافة إلى الرشى، ومواقع التواصل الاجتماعية، وتتطرق إلى مستويات الخطاب وعمليات التحريض وتحول الخطاب في الدوائر الضيقة إلى خطاب شخصي وعائلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تلفت ديانا البابا إلى أن عملية الرصد بدأت مع دعوة وزارة الداخلية إلى الانتخابات، وكلما اقتربنا إلى يوم الانتخاب تزداد الحماوة. وتعزز المراقبة شفافية الانتخابات، والهدف إصدار توصيات من أجل تطوير العملية وتجنب المخالفات في المستقبل، وتطوير عملية الإدارة، والتواصل مع وزارة الداخلية وصولاً إلى تقديمها إلى الجهات القضائية المتخصصة من مجلس شورى الدولة والدستوري، ويمكن الاستناد إليها من أجل المراجعة. ويتضح هنا مجموعة من المخالفات، تبدأ بالضغوط من أجل التوافق والتسوية، ولا تقتصر على قرى معينة وإنما شاملة، حيث التدخلات قد تكون حزبية أو حتى عائلية.

المشاركة النسائية

تتطرق ديانا البابا إلى مشاركة الشباب والمرأة في الانتخابات، فتجد أنه من المبكر معرفة دور الشباب في الانتخابات الراهنة. في المقابل، بلغت نسبة مشاركة النساء في جبل لبنان مستوى 13 في المئة من الترشيحات، منبهة إلى "تعرض النساء لضغوط من أجل الانسحاب في مختلف الدوائر، فيما تبقى مسألة الفوز غير محسومة لمن تستمر في الترشيح". وتكشف عن تلقي بعض الشكاوى على غرار وقوف رجال العائلات والدين ضدهن، لذا يمكن توثيق الضغوط والتبليغ بها من أجل التحرك أو تقديم الطعن لاحقاً.

"الميغاسنتر" مؤجل

عند كل استحقاق انتخابي يشهد لبنان سجالاً حول ملف مراكز "الميغاسنتر"، وتلفت البابا إلى أن الهدف منه تسهيل عملية الانتخابات، وتخفيف الضغوط وتخفيف الانتقال، ومنح فرصة للانتخابات لأكبر عدد، وهو يمنح للشخص الحق بالانتخاب في مكان إقامته، ويحتاج إلى إجراءات تبدأ بالتسجيل المسبق من أجل التجهيز. وتعتبر أنها مطلب أساس يفترض اعتماده في 2026، وهو لا علاقة للطرح بالبلديات، لأنه يحتاج إلى تسجيل مسبق، ويتطلب وقتاً، ولا بد من التدقيق بالقوائم لمنع ازدواجية التصويت. وتلفت البابا إلى أن طرح الجمعية كان يتعلق بالقرى المدمرة في الجنوب التي لم تعد فيها بنى تحتية، حيث يفترض السماح للجنوبيين بمراكز اقتراع بديلة في مناطق أخرى، وهي بلدات صغيرة وعدد الناخبين لا يتخطى 1000 ناخب، ويمكن اعتماد مراكز في صور وصيدا والنبطية في أماكن مجهزة لاستقبال مقترعين، لعدم التفريق بين الناخب الجنوبي وغير الجنوبي.

المزيد من تقارير

OSZAR »