ملخص
تواكباً مع الارتفاع الكبير في الأسعار فقد تخلى كثير من المصريين عن عادات ارتبطت بالزواج لأعوام طويلة، مثل اشتراط عدد معين من غرامات الذهب لشبْكة العروس وإقامة احتفالات كبيرة ومكلفة، وشراء أثاث متكامل
على مدى أعوام طويلة كان للمصريين عادات متعارف عليها في ما يتعلق بطقوس الزواج، منذ بداية رحلته مع حفل الخطبة وشراء الشبْكة، أي عدد معين من غرامات الذهب، ولاحقاً الاستعداد وتجهيز منزل الزوجية بكل مستلزماته وصولاً إلى عقد القران وحفل الزفاف.
غير أن الزواج في المجتمع المصري خلال الأعوام الأخيرة طرأ عليه بعض التغيرات التي تجلت في تجهيزاته نتيجة عوامل عدة بينها الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يعانيها قطاع كبير من المصريين، وفي الوقت نفسه تميل الأجيال الجديدة أكثر للبساطة لا البذخ مثلما كان يحدث خلال أعوام سابقة.
وتكاد تكون حفلات الخطبة معدومة أخيراً لدى الطبقة المتوسطة في مصر التي كانت تقام في قاعات الأفراح، والاكتفاء بحفل محدود في المنزل يجمع الأسرتين لضغط النفقات، ولأنه غالباً لم تعد تتوافر الشبْكة التي تستدعي إقامة حفل كبير للخطبة ودعوة عشرات وربما مئات الناس للاحتفال، كما تخلت الغالبية عن شراء طواقم الأثاث الضخمة مثل الصالونات وغرف الطعام الضخمة مع الاتجاه إلى الديكورات البسيطة بصورة عامة.
تكيف اجتماعي
وعلى مدى فترة تمتد لأكثر من 10 أعوام، وقبل اشتداد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، ظهر عدد من المبادرات والدعوات لتيسير الزواج تهدف إلى التخلي عن كثير من العادات المبالغ فيها، واختصار جهاز العروس للأساسات ودمج الاحتفالات المتعددة التي كانت تقام للخطبة والحنة وعقد القران والزفاف وتقنين شراء الذهب، لكنها لم تجد آذاناً مصغية من غالبية المصريين، بخاصة في المناطق الريفية التي لا يزال شراء الذهب بكميات كبيرة فيها أولوية مع جهاز متكامل وأحياناً مبالغاً فيه للعروس. لكن خلال الأعوام الأخيرة ومع الارتفاع الكبير في أسعار السلع ومن بينها الأثاث والأجهزة الكهربائية ومستلزمات الزواج أصبح قطاع كبير من الناس يعتمد التبسيط،
تقول أستاذة علم النفس الاجتماعي في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية سوسن فايد إن "العامل الاقتصادي تأثيره كبير في البعد الاجتماعي، فحينما تحدث تحولات اجتماعية وثقافية غالباً ما تكون بفعل الظروف وشكل خارج عن إرادة الأفراد يطلق عليها 'تكيف اجتماعي'، والمصريون لديهم قدرة كبيرة على هذا الأمر على مر العصور، فقد تجاوزوا كثيراً من الأزمات وأوجدوا حلولاً، وفي حال الزواج سيتمكن الناس من إيجاد بدائل والتغاضي عن كثير من المظاهر التي ليس لها قيمة، وهو ما يحدث حالياً عند معظم المقبلين على الزواج، وهو اتجاه جيد بغض النظر عن الأزمة الاقتصادية".
وتضيف فايد أن "المجتمعات التقليدية الريفية عادة ما يكون التغيير فيها أبطأ، لكن في النهاية ستحدث الاستجابة لأسباب عدة ومن بينها أن هذا واقع لا مفر منه، إضافة إلى أن الأجيال الجديدة في المجتمعات التقليدية استجابتها أعلى وأسرع بكثير بفضل انفتاحها على وسائل التواصل الاجتماعي واطلاعها على القيم والأفكار الجديدة التي تنتشر داخل المجتمع، وكذلك الأجيال الجديدة ليست لديها أفكار التنافس والتباهي بتجهيزات الزواج والأثاث الفاخر وكميات الذهب مثل الأكبر سناً، وسيساعد هذا في التغيير".
الشبْكة وارتفاع أسعار الذهب
ومن أكثر المظاهر التي اضطر الناس إلى التخلي عنها هو شراء شبكة ضخمة أو اشتراط عدد معين من غرامات الذهب لشبكة العروس، فالارتفاع غير المسبوق في سعر المعدن النفيس أصبح واقعاً يتعامل معه الناس، والاكتفاء بشبكة رمزية أصبح السائد عند قطاع عريض،
تحكي حنان السيد (59 سنة) أن "ابنتي الكبرى تزوجت منذ 10 أعوام، وحينها أقمنا حفل خطبة في إحدى قاعات الأفراح واشترى لها خطيبها شبكة تعادل نحو 40 غراماً من الذهب، وأقمنا حفلاً لعقد القران منفصلاً عن حفل الزفاف واشترينا كثيراً من الأغراض للجهاز، وحالياً جرت خطبة ابنتي الصغرى منذ أشهر والوضع مختلف تماماً، فقد اكتفينا بقراءة الفاتحة في حفل صغير داخل المنزل وشراء شبكة رمزية جداً، فمنذ 10 أعوام كان سعر غرام الذهب 400 جنيه (ثمانية دولارات)، أي أن سعر شبْكة ابنتي الكبرى كان يعادل نحو 16 ألف جنيه".
وتستكمل، "حالياً قيمة الـ 40 غراماً من الذهب أصبحت تعادل 160 ألف جنيه بعدما وصل سعر غرام الذهب إلى 4 آلاف جنيه (80 دولاراً أميركياً)، وهو ما أصبح يمثل أزمة لمعظم الشباب، وبالتالي لا بد من أن نيسّر عليهم لأن الأوضاع صعبة على الجميع".
وقد دفع الارتفاع الكبير في سعر غرامات الذهب وتعثر شراء الشبْكة بشكلها التقليدي الذي اعتاده الناس شركات ومصانع الذهب لمواجهة الأزمة وإنتاج أطقم ومشغولات تصلح لشبْكة العروس، لكن بأوزان خفيفة لتكون أسعارها معقولة،
يقول عضو مجلس إدارة شعبة الذهب بالاتحاد المصري للصناعات عمرو مغربي إن "هناك تغيراً في النمط الذي كان سائداً خلال فترات طويلة عند المصريين في ما يتعلق بشراء الذهب، بخاصة شراء شبْكة العروس، فالارتفاع الكبير في الأسعار أدى إلى أن تتجه شركات ومصانع الذهب لإنتاج مشغولات بأوزان خفيفة، وأصبح قطاع كبير من الناس يعتمدها عند شراء الشبْكة، سواء في الذهب أو الماس الذي تتوافر منه موديلات بأسعار معقولة يكون وزنها خفيفاً وأحجارها صغيرة، عكس ما يعتقد كثير من الناس، وهناك مشغولات يبدو حجمها كبيراً لكن وزنها خفيف وأصبحت تلاقي إقبالاً كبيراً، فمصانع الذهب في مصر تطورت جداً خلال الأعوام الأخيرة مما جعلها تستطيع مواكبة هذه الظروف عبر توفير ما يلائم كل الموازنات".
ويضيف مغربي أن "ما ساعد في انتشار الإقبال على الشبْكة ذات الوزن الخفيف ليس فقط الظروف الاقتصادية وإنما تغير أذواق الفتيات حالياً، فهن لا يقبلن على ارتداء الغوايش أو السلاسل الضخمة أو الأطقم الكبيرة، وإنما يفضلن القطع الرقيقة البسيطة، وبالتالي انعكس هذا على نوعية الموديلات التي يقبلون عليها عند شراء الشبْكة، فكل الأذواق متوافرة وكل منها له من يطلبه، لكن الارتفاع الكبير في سعر الذهب انعكس كثيراً على شكل وطبيعة المنتجات التي يكثر الطلب عليها".
تقاليد الزواج والجيل الجديد
ولا يرتبط التغير في عادات الزواج فقط بالظروف الاقتصادية وإنما أيضاً بوجود جيل جديد أصبحت أفكاره تختلف عن سابقيه، فما كان مقبولاً سابقاً أصبح عند قطاع كبير من بعض أبناء الجيل الجديد غير مرحب به، مثل البذخ الشديد في الديكورات أو أنواع الطعام المقدمة وفساتين الزفاف المبالغ فيهان وغير ذلك من استعدادات الزواج.
ومواكبة لهذا التفكير ظهرت كثير من القاعات البسيطة التي أصبحت توافر إمكان إقامة حفل زفاف محدود بعيداً من قاعات الفنادق الفخمة التي اعتمدها الناس لفترة طويلة، حتى من أبناء الطبقة المتوسطة لا الثرية، فأصبح ما يطلق عليه الـ Mini wedding خياراً رئيساً عند كثير من المقبلين على الزواج، وانتشرت القاعات الملحقة بالمساجد التي يقام فيها عقد القران مع احتفال بسيط، وظهرت في القاهرة وغيرها كثير من مواقع التصوير التي يمكن للعروسين التقاط صور مميزة فيها حال عدم إقامة حفل زفاف ضخم في فندق أو قاعة كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول مريم (25 سنة) عن نفسها "لا أفضل البهرجة وأميل إلى البساطة، وخلال زفافي منذ خمسة أشهر أقمت حفلاً بسيطاً جداً في حديقة اقتصر على عدد محدود من الناس، واخترت فستان زفاف بسيطاً وقدمنا الحلوى فقط وليس بوفيهاً كبيراً يتكلف عشرات الآلاف، فهذه قناعتي أنا وزوجي وكثير ممن حولنا يفكرون بالمنطق نفسه، وحتى في تجهيز المنزل اعتمدنا الطابع العملي لا الأثاث الضخم المكلف مثل الصالونات المذهبة الضخمة والقطع الكبيرة، إذ لا بد من أن يتجه الناس إلى هذا التفكير باعتبار أن العالم تغير وما كان سابقاً لا يصلح حالياً".
أما عبدالرحمن (23 سنة)، وهو خريج حديث من كلية الهندسة، فيقول "عندما أنوي الزواج سأتخلى عن كثير من المظاهر المعتادة التي تجعل الأمر صعباً وشبه مستحيل عند قطاع كبير من الناس، بسبب مظاهر فارغة هدفها إرضاء الغير لا الاستفادة الحقيقية للعروسين، فما الهدف من السكن في شقة واسعة وشراء أثاث متكامل وإقامة احتفالات بعشرات وربما مئات آلاف الجنيهات، فأنا لن أقوم بذلك حتى ولو كنت قادراً عليه، وسأبحث عمن تتوافق مع أفكاري، ولا بد من أن نتجه لما يحدث في العالم المتقدم من البدء بالأساسات وبشكل بسيط، لنكبر مع الزمن، وعاجلاً أم آجلاً سيتجه معظم الناس لهذا الأمر، باعتبار أن الزمن تغير وكل شيء من حولنا يختلف".