Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صواريخ "تاوروس" تضع ألمانيا في مرمى النيران الروسية

تقول موسكو إن القرار الألماني بتزويد كييف بهذه الصواريخ سيجبرها على توسيع المنطقة العازلة على طول حدودها لتتوافق مع "مدى" القذائف الغربية

ألمانيا ترفع القيود على مدى الأسلحة المنقولة إلى أوكرانيا، بعد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة (أ ف ب)

ملخص

قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن موسكو "ستعتبر أية ضربة تنفذها صواريخ ’تاوروس‘ الألمانية على أهداف روسية، بمثابة مشاركة برلين في الأعمال القتالية إلى جانب كييف".

من غير المستبعد أن ترد بأسلحة وصواريخ تقليدية لضرب مركز التحكم الألماني المركزي، أو قاعدة الجيش الألماني في ليتوانيا، بحسب مراقبين.

أثار إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرز يوم الـ26 من مايو (أيار)، أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة رفعت القيود المفروضة على مدى الصواريخ الغربية طويلة المدى مثل "ستورم شادو" و"سكالب" و"توروس" التي تزود أوكرانيا بها، ردود فعل عاصفة في روسيا، وصلت إلى حد التخوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تصعيد المواجهة بين روسيا والغرب والدفع باتجاه اندلاع حرب عالمية ثالثة تحرق الأخضر واليابس، وتغرق القارة العجوز في أتون صراع عسكري لا يبقي ولا يذر.

وخلافاً لعاصفة ردود السياسيين الروس رأى الجنرالات الروس أن رفع القيود الغربية عن مجموعة الإمدادات العسكرية لأوكرانيا، يعني في المقام الأول رفع القيود المفروضة على مدى الصواريخ الغربية طويلة المدى مثل "ستورم شادو" و"سكالب" و"توروس" لتتمكن من ضرب عمق الأراضي الروسية، وأكدوا أنهم يملكون التقنيات والتكنولوجيا العسكرية اللازمة للتصدي لها وإسقاطها قبل وصولها إلى أهدافها. واعتبروا أنه بطبيعة الحال، وبصورة حتمية، فإن المواطنين الأوكرانيين العاديين سيعانون من مثل هذا القرار الذي يتخذه الغرب جماعياً لتأجيج نار الحرب بين البلدين الغارقين في صراع عسكري دموي منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

وفي وقت سابق، فرضت قيود برمجية على مدى طيران الصواريخ الغربية المنقولة إلى أوكرانيا حتى تتمكن القوات المسلحة الأوكرانية من استخدام مثل هذه الصواريخ فقط في ساحة المعركة، وليس لضرب عمق الأراضي الروسية. وجرى ذلك لأن الغرب كان يخشى تصعيد الصراع مع روسيا، والآن يفعل السياسيون الأوروبيون هذا الأمر من باب اليأس، في ظل الانسحاب الافتراضي للولايات المتحدة من الصراع الأوكراني.

موسكو: أوروبا تستعد لصدام عسكري معنا!

في الأثناء، صرح نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو أن سياسات الاتحاد الأوروبي تدل على أنه يستعد للصدام العسكري مع روسيا.

وقال غروشكو في تصريح لصحيفة "إزفيستيا" الروسية، نشر فجر الأربعاء الـ28 من مايو "إذا نظرنا إلى سياسة الاتحاد الأوروبي بصورة عامة وعملية البناء العسكري، فمن الواضح أن هذا تحضير للصدام العسكري".

وتابع أن "المواقف التي يتحدث عنها الأوروبيون في شأن التسوية الأوكرانية وحول أوكرانيا بصورة عامة، لا تتضمن أي عنصر من شأنه أن يقرب التسوية السياسية".

وأضاف "لا بل بالعكس، يكمن هدف الاتحاد الأوروبي بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا وتضييق الخناق عليها اقتصادياً".

وأشار نائب الوزير إلى أن حزمة العقوبات الأوروبية الأخيرة ضد روسيا ستكون حساسة بالنسبة إلى الاتحاد ذاته، وخصوصاً بعض أعضائه.

وأعلن الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من مايو الحزمة الـ17 من العقوبات ضد روسيا منذ بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد بدأ بالعمل على الحزمة الـ18 من العقوبات.

أول الغيث ألماني!

تصريح ميرز المفاجئ عن تزويد أوكرانيا بصواريخ مفتوحة المدى، يعني أن أوكرانيا أصبحت قادرة الآن على الدفاع عن نفسها، بما في ذلك على سبيل المثال ضرب المواقع العسكرية على الأراضي الروسية، فهو أكد أنه "حتى نقطة معينة، لم تكن قادرة على القيام بذلك".

والآن بحسب ميرز أصبح من الضروري تزويد أوكرانيا بمثل هذه الأسلحة، معلناً أن ألمانيا رفعت القيود على مدى الأسلحة المنقولة إلى أوكرانيا، بعد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

وقال "لم تعد هناك أي قيود على نطاق الأسلحة التي جرى توريدها إلى أوكرانيا، لا من البريطانيين ولا من الفرنسيين ولا منا ولا من الأميركيين".

وفي أبريل (نيسان) الماضي، عشية تعيينه مستشاراً، هدد ميرز مرة أخرى بتزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى يصل مداها إلى 500 كيلومتر، أي قادرة على الوصول إلى موسكو، مشيراً إلى أن الهدف الأول يجب أن يكون جسر القرم. وفي الوقت نفسه، أكد أنه لن يفعل ذلك إلا بالاتفاق مع حلفائه.

فماذا عن الحلفاء؟ يبدو أن بريطانيا وفرنسا استنفدتا مخزوناتهما من صواريخ "ستورم شادو" و"سكالب"، ولم ترد أي أنباء عن تسليم شحنات جديدة منذ فترة طويلة. كما أن الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة لم تقم أيضاً بتسليم صواريخ "أتاكامس" التي نقلتها إدارة جو بايدن سابقاً، التي يبدو أنها نفدت أيضاً.

ويقول فسيفولود شيموف، مستشار رئيس الجمعية الروسية لدراسات البلطيق، إن "تصريح ميرز يعني فقط رفع القيود المفروضة على توريد الصواريخ من أي مدى.

حتى الآن هذا مجرد احتمال نظري، وليس تسليمات حقيقية. دعونا نرى ما إذا كان هناك أي إجراء حقيقي يتبع هذا  التصريح".

لكن، وفي أعقاب تصريحات ميرز، أفادت وسائل إعلام غربية بأن ألمانيا ستزود الجيش الأوكراني بصواريخ "توروس" الألمانية، وهو الأمر الذي لم يحدث في عهد المستشار السابق شولتز. ومن المتوقع أن تقوم ألمانيا بتسليم ما بين 100 إلى 150 صاروخ "كروز" من طراز "توروس"، وهو عدد مماثل للصواريخ البريطانية الفرنسية "ستورم شادو / سكالب-إي جي"، بحسب ما جاء في تقرير "كلاش ريبورت".

وذكرت وسائل إعلام أوكرانية أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وصل إلى برلين شخصياً يوم الأربعاء في الـ28 من مايو (أيار)، للبت في مسألة توريد صواريخ "توروس" الألمانية للجيش الأوكراني.

كيف سيساعد مثل هذا القرار أوكرانيا وجيشها على مختلف جبهات القتال؟

يؤكد الجنرالات الروس أن هذا القرار لن "يساعد" كييف، ذلك لأنه في هذه الحالة ستواجه أوكرانيا مزيداً من الهجمات واسعة النطاق والمدمرة على بنيتها التحتية، وسيضطر الجيش الروسي إلى إنشاء "منطقة عازلة" دقيقة للغاية ولا رجعة فيها في أوكرانيا، التي سيجري توسيعها الآن لتتوافق مع "مدى" الصواريخ الغربية، وأن من سيتضرر أولاً من مثل هذا القرار هم بالطبع المواطنون الأوكرانيون.

روسيا: قرارات خطرة للغاية!

أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف تعليقاً على نية الأوروبيين رفع القيود عن مدى الأسلحة المقدمة لأوكرانيا، أن هذه قرارات خطرة للغاية إذا اتخذت بالفعل.

وأضاف بيسكوف "إذا كانت هذه القرارات اتخذت فعلاً، فإنها تتعارض بكل تأكيد مع سعينا إلى التسوية السياسية".

وجاءت تصريحات المتحدث باسم الكرملين فوراً عقب إدلاء مستشار ألمانيا فريدريش ميرتس بتصريح مثير للجدل خلال مناقشة في منتدى نظمته إذاعة "دبليو دي آر" الألمانية، قال فيه "لم تعد هناك أي قيود على مدى الأسلحة التي ترسل إلى أوكرانيا - لا من البريطانيين ولا من الفرنسيين ولا من جانبنا، ولا توجد قيود من الأميركيين أيضاً".

وأوضح أن "حزب ’الاتحاد الديمقراطي المسيحي‘ في ألمانيا ألغى القيود المفروضة على توريد الأسلحة البعيدة المدى لكييف، مما يتيح لكييف إمكان مهاجمة مواقع داخل الأراضي الروسية باستخدام أسلحة بعيدة المدى".

وكان متوقعاً من ميرتس اتخاذ مثل هذا القرار، إذ كان منذ البداية من أشد المؤيدين لتزويد كييف بأسلحة بعيدة المدى.

وفي منتصف أبريل الماضي، ذكر ميرتس أن ألمانيا قد توافق على توريد صواريخ "توروس" (Taurus) الجوالة لأوكرانيا بعد التنسيق مع الشركاء الأوروبيين. من جانبه، صرح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن هناك "حججاً" تعارض اتخاذ هذه الخطوة.

وأكد المتحدث باسم الكرملين أنه إذا اتخذ الأوروبيون قرار رفع القيود عن الأسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا، سيكون ذلك تصعيداً. واعتبر أن الوضع المتعلق بالبيان الأوروبي في شأن رفع القيود المفروضة على توريد الأسلحة بعيدة المدى، هو "ارتباك جديد".

وأضاف أن أوروبا ليست على طريق السلام، فالغرب يخال أنه من الممكن الحصول على شيء ما من روسيا عن طريق الضغط.

بدورها قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن موسكو "ستعتبر أية ضربة تنفذها صواريخ ’تاوروس‘ الألمانية على أهداف روسية بمثابة مشاركة برلين في الأعمال القتالية إلى جانب كييف".

واتهمت المستشار الألماني فريدريش ميرتس بمحاولة كسب الشهرة السياسية عبر تصريحاته الأخيرة، حول مدى الأسلحة التي يسلمها لأوكرانيا.

وشككت زاخاروفا خلال مؤتمر صحافي في مدى أهلية ميرتس للتحدث باسم دول غربية أخرى في شأن ملف تسليح أوكرانيا، وقالت زاخاروفا: "من غير الواضح ما إذا كان ميرتس تلقى أي تفويض من الدول الأخرى للإدلاء بمثل هذه التصريحات نيابة عنها، ومن الواضح أنه يسعى إلى تحقيق دعاية سياسية لنفسه، وربما لا يدرك تماماً مدى حساسية ما يقوله".

وأكدت زاخاروفا أن قضايا تسليح أوكرانيا لا تحتمل التصريحات غير المحسوبة، داعية الدول الأوروبية إلى التشاور مع شعوبها قبل اتخاذ قرارات من هذا النوع.

وأكدت أن "ألمانيا ستدفع نفسها إلى حفرة أعمق، بقرارها إلغاء القيود على مدى ضربات الأسلحة التي تسلمها لأوكرانيا".

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية "بقرارها رفع القيود على مدى استخدام الأسلحة الموردة لأوكرانيا، فإن برلين تدفع نفسها إلى حفرة أعمق، وهي الحفرة التي الموجود فيها نظام كييف المدعوم من طرفها منذ فترة طويلة"، مؤكدة "أن لا سلاح ألمانياً سيغير مسار العملية العسكرية الخاصة".

وعلقت المتحدثة باسم الخارجية الروسية بسخرية على تصريحات المستشار الألماني ونائبه حول رفع القيود عن مدى الأسلحة المقدمة لأوكرانيا، وكتبت على "تيليغرام": "هلا سحبتم منهم أخيراً ملعقة السكر والمناديل! أرجو ألا يتشاجر هذان الاثنان كما حصل مع ماكرون!"، في إشارة إلى الحادثة التي تعرض فيها الرئيس الفرنسي لصفعة من زوجته بريجيت.

من جانبه، وصف السيناتور غريغوري كاراسين قرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة بأنه "خبر قاتم وحزين للغاية لمفاوضات السلام"، وأشار أيضاً إلى أن الدول الغربية تتحرك منذ فترة طويلة نحو رفع القيود المفروضة على نطاق التسليم، لكنها كانت دائماً تتوقف بسبب التردد في تفاقم العلاقات السيئة مع روسيا.

بدوره وصف نائب مجلس النواب الروسي (الدوما) ميخائيل شيريميت هذا القرار بـ"الجنون"، وقال إن القرار "يجبر روسيا على توسيع المنطقة العازلة على طول حدودها".

وقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي أندريه كارتابولوف، إن القرار مرتبط بنجاح القوات الروسية في تنفيذ مهمات قوات الدفاع الجوي.

وأعرب نائب مجلس الدوما الروسي يوري شفيتكين عن ثقته في قدرة أنظمة الدفاع الجوي الروسية على توفير الحماية حتى من الصواريخ بعيدة المدى، وقال "إن تطور بلادنا في مجال الدفاع الجوي يمكننا من بناء دفاعنا على المستوى المناسب، وفي الوقت نفسه أنا مقتنع بضرورة اتخاذ الأمم المتحدة جميع الخطوات اللازمة لمنع تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بهذه الأسلحة".

وفي أول ردود الفعل الألمانية، وصفت السياسية البارزة سارا فاغنكنشت قرار المستشار فريدريش ميرتس رفع القيود عن تزويد نظام كييف بأسلحة تطاول العمق الروسي بأنه "غير مسؤول"، و قد "يجر الحرب" إلى داخل ألمانيا.

ورأى عالم السياسة الألماني ألكسندر كامكين أن هذا بمثابة محاولة لتعطيل التسوية الأوكرانية، وقال "الأوروبيون يريدون حقاً استمرار الصراع في أوكرانيا، إنهم يحاولون بكل الطرق تعطيل عملية التفاوض الضعيفة للغاية بين الولايات المتحدة وروسيا في شأن أوكرانيا. إنهم غاضبون جداً من ترمب، لأنه سلبهم أصول الموارد الطبيعية في أوكرانيا".

ترمب: روسيا "تلعب بالنار"

في الأثناء اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه "لولا قراراته، لكانت روسيا في ورطة خطرة"، من دون أن يوضح كلامه. وكتب عبر موقع التواصل الاجتماعي"تروث سوشيال"، أنه لو لم يكن موجوداً "لكانت كثير من الأشياء السيئة حدثت لروسيا بالفعل"، وتابع "أعني سيئة حقاً".

وأضاف أن السلطات الروسية "تلعب بالنار"، من دون أن يوضح ماذا يقصد.

لكن البيت الأبيض سارع ليوضح أن تصريحات الرئيس ترمب عن القيادة الروسية حول اللعب بالنار، لم تكن سوى إشارة إلى أهمية الحفاظ على العلاقات الشخصية بينه وبين هذه القيادة.

وأكد المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى أوكرانيا كيث كيلوغ، في مقابلة مع "فوكس نيوز"، أن ترمب كان يشير إلى العلاقات الشخصية قائلاً "أعتقد أن (النار) التي ذكرها الرئيس تعني العلاقات الشخصية، فهو يقدرها حقاً ويعتمد عليها في دبلوماسيته".

وأضاف كيلوغ "مقصد الرئيس من عبارة ’اللعب بالنار‘ هو أن تدمير العلاقات معه ليس في مصلحة أحد، بل على العكس، يمكن تحقيق تقدم أكبر عبر تعزيز هذه الروابط".

ولفت المبعوث الأميركي إلى أن ترمب "لا يحب أن يشعر بأنه يستغل"، مؤكداً أن الرئيس "يسعى جاهداً إلى إنهاء هذا النزاع".

صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، أنه لا ينبغي اعتبار التصريحات الأخيرة للرئيس دونالد ترمب حول روسيا بمثابة خيبة أمل.

وقالت "لن أصف ذلك بخيبة أمل، إنه تصريح لشخص يقود جهود السلام في عدد من المناطق المختلفة. إنه يوضح موقفه بصراحة ويتحدث عن رأيه بكل شفافية، أعتقد أن على روسيا أن تأخذ هذا على محمل الجد، كما يفعل الأميركيون تماماً".

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعيد النظر في إجراءاتها تجاه روسيا، ذكرت بروس أن ترمب "لديه عدد من الأدوات لضمان أخذ موقفنا في الاعتبار، ويمكن استخدامها للتأثير" في الوضع.

وأعلنت أن الولايات المتحدة لا تزال تدعم المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.

كان ترمب وفي حديثه للصحافيين بطريقه إلى واشنطن في وقت سابق، قال إنه يفكر "بالتأكيد" في فرض عقوبات إضافية على الاتحاد الروسي.

وربط المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في وقت سابق تصريحات الرئيس الأميركي في أعقاب الضربات التي وجهتها القوات المسلحة الروسية للمجمع الصناعي العسكري الأوكراني، بـ"رد الفعل العاطفي الزائد" الذي يتسم به جميع المشاركين في عملية التفاوض، وشدد على أن روسيا تتخذ تلك القرارات الضرورية لضمان أمن الدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل تبارك واشنطن ضرب موسكو بالصواريخ؟

من الواضح أنه بعد حرمان بوتين رئيس أميركا الحالي من لقب "صانع السلام في أوكرانيا"، يسعى ترمب إلى إبعاد نفسه عن الصراع في أوكرانيا، لكن الانسحاب من محادثات السلام بالكامل سيكون بمثابة فشل استراتيجي للولايات المتحدة. وفي الوقت عينه، من دون الدعم الأميركي، قد تواجه كييف عواقب كارثية، في حين ستعزز روسيا مكانتها.

ربما يريد الملياردير الأميركي أن "يغسل يديه" ويجعل من الصراع الأوكراني مشكلة أوروبية، لكن الأمر ليس بهذه البساطة.

لقد حانت لحظة ترمب، ويبدو أنه اختار الحياد بدلاً من القتال. لكن كييف لن تتخلى عنه على رغم أنه لا يريد سوى شيء واحد، وهو "جعل أميركا عظيمة مجدداً" وليس أوكرانيا، بحسب محللين عسكريين.

وبات اختيار ترمب واضحاً بعد الجولة الأخيرة من المفاوضات غير المثمرة بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول يوم الـ16 من مايو، وفي وقت سابق من هذا الشهر اقترح الرئيس الأوكراني وعدد من الزعماء الأوروبيين وقف إطلاق النار الفوري لضمان دعم ترمب، مع فرض عقوبات غربية إذا رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن عندما اقترح بوتين بدلاً من ذلك إجراء محادثات سلام مباشرة، سارع الرئيس الأميركي إلى تأييد الفكرة، حتى بعد أن رفض بوتين حضوره الشخصي للمحادثات في إسطنبول.

لقد أوضحت المكالمة الهاتفية التي أجراها ترمب مع بوتين لمدة ساعتين يوم الإثنين الـ19 من مايو، أن هذا اتفاق لا معنى له للتوصل إلى صفقة، وتأكيداً لموقف روسيا المتشدد الذي سيضمن عدم التوصل إلى اتفاق.

تولى ترمب منصبه متعهداً بإنهاء الصراع خلال 24 ساعة، لكن محاولاته تستمر في الفشل بسبب حقيقتين أساسيتين واضحتين بصورة متزايدة.

أولاً، أخطأ في تحديد المشكلة. إن القضية لا تكمن في تعنت أوكرانيا، بل في استخدام الغرب لهذا البلد السوفياتي السابق كخط دفاع أول عن مصالحه وطموحه للتوسع والهيمنة، وفي الوقت ذاته رغبة بوتين في عدم السماح "للآخ الأصغر" بالبقاء كدولة مستقلة إقليمياً وجيوسياسياً. ثانياً، في هذه المرحلة لا يمكن التوصل إلى حل وسط. إن الحرب ستستمر حتى تستسلم أوكرانيا وتصبح ولاية روسية مفككة ومنزوعة السلاح، أو حتى يقرر بوتين أن ثمن الفوز في هذه الحرب مرتفع للغاية.

لدى الرئيس الروسي في مواجهته مع الغرب الجماعي  استراتيجية لتحقيق هدفه، يمكن أن نطلق عليها استراتيجية "استعادة نفوذ ودور الإمبراطورية الروسية المفقود منذ انهيار الاتحاد السوفياتي". وستعمل قواته على استنزاف القوات المسلحة الأوكرانية المرنة، ولكن الأقل عدداً إلى حد كبير، لاستنزافها وفي نهاية المطاف كسر معنوياتها. في هذه الأثناء، سيواصل بوتين "اللعب" مع ترمب على أوتار شخصيته، وإعجابه الشخصي به، لكنه سيتجنب المفاوضات الجادة مع أوكرانيا حصراً، مع أنه لن يرفضها أيضاً. ويريد بوتين الصمود حتى الصيف، عندما تنتهي حزمة المساعدات الأخيرة لأوكرانيا التي وافقت عليها الإدارة الأميركية السابقة، وتجنب استياء ترمب، الذي قد يشتعل في حال الرفض المباشر لمبادراته.

ولا شك أن الخطوط العريضة للاستراتيجية الغربية لإحباط خطة بوتين ليست سرية، إن هذا يعني الاستمرار في إمداد أوكرانيا بالأسلحة الأميركية والأوروبية حتى تتمكن من مواصلة قتال القوات الروسية، وبحيث لا يتمكن بوتين من الاستمرار في تنفيذ خطته من دون تعبئة إضافية سياسياً. وسيتضمن ذلك "عقوبات ساحقة" مثل تلك التي اقترحها السيناتور الجمهوري المؤيد لترمب ليندسي غراهام، بهدف شل مبيعات النفط الروسية وتسريع أزمة اقتصاد الحرب الذي يعتمده بوتين.

لذلك يعمل الغرب والدول النافذة في حلف شمال الأطلسي على تعزيز قدرة أوكرانيا على شن ضربات بعيدة المدى على روسيا من خلال مساعدتها في بناء أو شراء طائرات من دون طيار وصواريخ قادرة على تدمير البنية التحتية الروسية وإحراج بوتين في الداخل، وهذا سيلزم الغرب على دعم حرب كييف مالياً من خلال منح أوكرانيا الأصول السيادية المجمدة التابعة لروسيا، وسيعمل الغرب أيضاً على صياغة ضمانات موثوقة للأمن الأوروبي، بدعم من القوة الأميركية للالتزام بأية هدنة.

ومن غير المرجح أن تنجح هذه الاستراتيجية، نظراً إلى قدرة بوتين والشعب الروسي على تحمل الألم بصورة كبيرة، لكن هذه هي الطريقة الأفضل وربما الوحيدة لإقناعه بأنه في النهاية لن يتمكن من هزيمة أعدائه بسهولة، ولكن من المؤسف أن هذه الاستراتيجية قد تكون صعبة في أي ظرف من الظروف، وترمب فقط يجعل الأمر أكثر صعوبة، إذ أصبح فرض العقوبات على مستوردي النفط الروسي (الصين والهند) أكثر صعوبة مع سعي ترمب، من خلال حربه الجمركية غير المنتجة، إلى إبرام صفقات تجارية مع البلدين. إن الحفاظ على إمدادات الأسلحة سيتطلب استثمارات كبيرة في القدرات الرئيسة، مثل أنظمة الدفاع الجوي، التي يفتقر إليها البنتاغون.

إن التناقض في موقف ترمب تجاه حلف شمال الأطلسي ونفوره من أوكرانيا يجعلان من الصعب حل قضية الضمانات الأمنية، لكن الأهم من ذلك هو أن ترمب لا يستطيع التحرك نحو استراتيجية أكثر عدوانية، لأن ذلك يتطلب جعل الحرب في أوكرانيا، التي وصفها مراراً وتكراراً بأنها حرب الرئيس السابق جو بايدن، حربه الخاصة.

لقد عارض ترمب التدخل الأميركي في الصراع في أوكرانيا منذ البداية، وزعم أن واشنطن تهدر الأموال وتقرب الحرب العالمية الثالثة، علاوة على ذلك فإن معاقبة الكرملين ونظام بوتين بصورة حقيقية ستكون بمثابة التورط في شيء لم يؤمن به ترمب قط. وهذا يعني أيضاً التغلب على عادة ترمب في التهرب من القضايا المزعجة - سواء البرنامج النووي الكوري الشمالي في ولايته الأولى، أم الحرب في أوكرانيا في ولايته الثانية - التي لا يستطيع حلها بسهولة.

ولكن هذه المرة، لن يتمكن ترمب من غسل يديه بسهولة، ولا الإشادة بالإمكانات الكبيرة المفترضة للتوصل إلى صفقات اقتصادية مع بوتين. ولكن إذا تخلى عن أوكرانيا، فإن الغرب الجماعي ستنتظره في أفضل الأحوال مواجهة طويلة تظل فيها روسيا دولة قوية عسكرياً مفرطة في التسلح، على رغم بقاء اقتصادها تحت العقوبات الأوروبية، وهذه ليست بالضبط البيئة التي قد تكون الشركات الأميركية حريصة على استغلالها. إن السيناريو الأسوأ هو إضعاف موقف أوكرانيا، الذي يبدأ ببطء ثم يتفاقم بصورة كبيرة، مما يؤدي إلى الهزيمة الكاملة أو السلام القاتل الذي يفرض تحت تهديد السلاح.

ولم يعجب الأميركيون مزيج المأساة الإنسانية والإذلال الاستراتيجي الذي واجهوه في أفغانستان، لن يكونوا سعداء إذا حدث هذا في أوكرانيا. قد يعود الصراع في هذا البلد في نهاية المطاف ليطارد ترمب، بغض النظر عن مدى إصراره على أن هذه ليست حربه.

حرب إرادات وليست حرب صواريخ فقط!

السياسيون هم أسياد كلمتهم، إذا أرادوا ذلك أعطوه، إذا أرادوا غير ذلك، فقد استعادوه. حتى الآن هذه مجرد كلمات ولعبة سياسية.

وعلاوة على ذلك، وكما نرى، هناك الآن حرب ليست بين أنظمة الصواريخ بقدر ما هي بين الطائرات من دون طيار، وكانت الطائرات الأوكرانية من دون طيار تضرب منذ فترة طويلة في عمق الأراضي الروسية، لقد أصبح هذا روتيناً بالفعل.

ولذلك، فمن الممكن أن ميرز يريد فقط التباهي وإظهار مدى هدوئه وقوته السياسية.

العام الماضي، لاحظ عدد من الخبراء أن الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين بدأوا يستنفذون مخزوناتهم من الصواريخ بعيدة المدى، التي كانت كييف تستخدمها بصورة غير كفوءة للغاية، فهل يعلق أنصار استمرار الصراع كل آمالهم على ألمانيا؟

كضابط سابق في سلاح المدفعية أرى أن أنظمة الصواريخ والضربات الصاروخية في هذه الحرب تلعب دوراً داعماً كبيراً، ولكنه ليس دوراً حاسماً ولا مقرراً، وهذا الدور لا يمكنه أن يرجح كفة النصر.

يبدو كل هذا أشبه بحرب معلوماتية نفسية، لإقناع الشخص العادي.

وفي الوقت نفسه، وتحت غطاء هذا الدخان، تعمل أوكرانيا على تطوير إنتاجها الخاص من الطائرات من دون طيار القتالية، وتتلقى المساعدة اللازمة من الغرب، وهذا يشكل تهديداً أكثر خطورة بكثير من الصواريخ التي ستزود الدول الغربية القوات المسلحة الأوكرانية بها.

الولايات المتحدة لم تزود أوكرانيا بالصواريخ في عهد ترمب، ومن المستبعد أن تقوم بذلك في المستقبل القريب، والأمر ليس واضحاً تماماً مع فرنسا وبريطانيا - فهما تلتزمان الصمت. وفي نهاية المطاف، فإن ضخ مزيد من السلاح الفتاك إلى ميدان الحرب من شأنه أن يقوض عملية السلام.

صحيح أنه حتى الآن لا توجد عملية سلام بحد ذاتها، علاوة على ذلك جرى رفض النقطة الرئيسة من المطالب، وهي وقف إطلاق النار من دون شروط مسبقة. وبما أن العمليات العسكرية مستمرة، فإن إمداد أوكرانيا بالأسلحة سيستمر أيضاً، ولكن لا توجد استراتيجية منسقة.

ألمانيا لا تريد أن تتصرف بمفردها وتتوقع قراراً مشتركاً من حلفائها، وهو أمر غير موجود عملياً، وإن كان موجوداً على الورق أو نظرياً.

ترمب يلعب لعبته الخاصة بالفعل، ولكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لن تتوقف عن تزويد كييف بالصواريخ، وسيفعلون ذلك إذا اعتبروا أن عملية السلام فشلت في نهاية المطاف.

وبحسب مراقبين، "لا يزال الأوروبيون يغامرون ويتظاهرون بلا جدوى باستقلالية قرارهم، وينتظرون تغير المزاج في البيت الأبيض. إنهم غير معتادين على التصرف بمفردهم من دون دعم واشنطن، ولذلك فإن قضية الصواريخ لم تتقدم حتى الآن إلى أبعد من مجرد الحديث الصاخب".

صواريخ سياسية أم عسكرية؟

حتى الآن، كانت الحادثة الوحيدة التي تمكنت فيها الضربات الصاروخية الأوكرانية من التأثير بصورة جدية في مسار العمليات العسكرية مرتبطة بالضربات على جسر "أنطونوفسكي"، التي أجبرت القوات الروسية على الانسحاب من الضفة اليمنى لنهر دنيبر في منطقة خيرسون.

اليوم أصبح تشكيل الجبهة على هذا النحو بحيث لا يكون للضربات الصاروخية على المنشآت الخلفية أي معنى كبير، ربما باستثناء المفاعيل الأخلاقية والنفسية. نعم، ستحدث بعض الأضرار المادية وستقع إصابات، ولكن من غير المرجح أن تؤثر مثل هذه الهجمات في مسار الحملة العسكرية أو تشكل عاملاً حاسماً في مسارها.

ميرز هدد ذات مرة بضرب جسر القرم، فمن الناحية النظرية، يمكنهم الوصول إلى موسكو، ولكن هل يجرأون على ذلك؟

جسر القرم هو الهدف الأكثر احتمالاً، بخاصة أنه تعرض للقصف مرتين بالفعل،فإذا قررت القوات المسلحة الأوكرانية شن هجوم مضاد باتجاه شبه جزيرة القرم، فإن ضرب الجسر وقطع الاتصالات التي تمر عبره خطوة منطقية تماماً.

وفي هذه الحالة، سيبدأون أيضاً بضرب الأهداف الموجودة في ما يسمى بالممر البري إلى شبه جزيرة القرم، ولكن هذه الصواريخ بعيدة المدى ليست ضرورية لهذا الغرض.

من الواضح أن كل شيء يعتمد على مكان وكيفية الضربة التي ستستخدم فيها الصواريخ الغربية البعيد المدى، وما العواقب التي ستترتب على ذلك. وصحيح أن استراتيجية روسيا تتمثل في الوقت الراهن، في الامتناع عن اتخاذ قرارات عسكرية متطرفة ضد أوروبا ودول "الناتو"، ولكن إذا جرى حشرها عسكرياً فمن غير المستبعد أن ترد بأسلحة وصواريخ تقليدية لضرب مركز التحكم الألماني المركزي، أو قاعدة الجيش الألماني في ليتوانيا، بحسب مراقبين.

ماذا يريد الأوروبيون من صواريخهم؟

يقول المؤرخ والناشط السياسي والخبير الدائم في نادي "إيزبورسك" ألكسندر دميترييفسكي "إن قرار ميرز يظهر من هو المستفيد الحقيقي من كل هذه الفوضى".

ويضيف "بطبيعة الحال، الناس في الخارج ليسوا متعطشين للسلام بصورة خاصة، لكن ترمب، بصفته رجل أعمال، يحاول ببساطة إنهاء عمل فقد ربحيته بسرعة".

كما أن أوروبا مهتمة باستمرار الصراع لأسباب عدة. أولاً، ليس من الضروري أن تصبح روسيا أقوى: فالأوروبيون لا يستطيعون منع هذا، وكل ما تبقى لهم هو تقييد موسكو من خلال خلق مصدر قوي لعدم الاستقرار على حدودها في صورة أوكرانيا.

علاوة على ذلك، يستفيد الصراع من فرصة إلقاء اللوم في عدد من مشكلات القارة على روسيا، وعلى وجه الخصوص، لتعزيز الأجندة العالمية، في الأقل في صورة ما يسمى بـ"الطاقة الخضراء".

ومرة أخرى، لم يلغ أحد وجود صناعة عسكرية تحتاج إلى بيع منتجاتها، ولكن بما أن سوق الأسلحة مشبعة إلى حد كبير والمنافسة شديدة، وهناك أيضاً مصنعون روس وصينيون وأميركيون أقوى بكثير، فإن الصراع الأوكراني يمثل منجم ذهب.

صحيح أن "توروس" والصواريخ الأخرى من الفئة المماثلة هي أسلحة حديثة، وأنها تشكل بعض الخطر بخاصة خلال عمليات الإطلاق الضخمة، لكن الأمر الآخر هو أن دول حلف شمال الأطلسي تعاني مشكلات ليس مع نوعية الصواريخ، بل مع كميتها، فكمية 100-150 صاروخاً من هذه الصواريخ سيكون له تأثير في الصراع، ولكن هذا التأثير لن يكون حاسماً.

لقد تحدت أوروبا روسيا الشاسعة وهددت عمق أراضيها بصواريخها، لذلك تعالت الأصوات في موسكو وما زالت تتعالى هامسة عند أسوار الكرملين، بأنه حان الوقت بالنسبة إلى روسيا لتطبيق التدابير المناسبة بدرجات متفاوتة من عدم التكافؤ، ضد دول حلف شمال الأطلسي التي تزود أوكرانيا بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية "لضربنا في عقر دارنا".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير

OSZAR »