ملخص
مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن قد يمنح نتنياهو تعاطفاً دولياً موقتاً، إذ أربك موجة الإدانة المتصاعدة لسلوك حكومته في غزة، وأثار مخاوف أمنية جديدة قد تكبح الانتقادات الخارجية وتعيد ترتيب الأولويات الدبلوماسية، على رغم أن الرد الإسرائيلي يبقى محدود الأثر ما لم تُثبت مؤامرة أوسع خلف العملية.
بينما بدت إسرائيل على وشك أن تخسر أحد أبرز أوجه دعمها الدبلوماسي الراسخ، جاء مقتل دبلوماسيَين إسرائيليَين في العاصمة الأميركية واشنطن ليعيد خلط الأوراق، أو على الأقل ليؤجل هذا التحول المحتمل.
وحمّل كل من الرئيس دونالد ترمب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ظاهرة معاداة السامية مسؤولية الهجوم، وأضاف رئيس الحكومة الإسرائيلية أن هذا الهجوم كان نتيجة "التحريض الوحشي"، وهو تعليق قام بتفسيره لاحقاً ليشمل على وجه التحديد الإدانات الأخيرة لسلوك إسرائيل في غزة، من قبل كل من المملكة المتحدة وكندا وفرنسا.
وقد بدا أن عملية إطلاق النار على سارة لين ميلغريم ويارون ليشينسكي، أثناء خروجهما من حفل استقبال، ذات دوافع سياسية، إذ سُمع مطلق النار وهو يهتف "فلسطين حرة" لحظة توقيفه، بحسب ما أظهره مقطع مصور. وبينما تشير التقارير الأولية إلى أن المنفذ تصرف بمفرده، فإن الحادثة وتوقيتها مرشحان لإحداث صدى واسع خارج حدود العاصمة الأميركية.
ومن المرجح أن يكون أول تأثير مباشر للهجوم هو تخفيف وطأة البيان المشترك الذي صدر قبل أيام قليلة، والذي دعا فيه كل من كير ستارمر ومارك كارني وإيمانويل ماكرون، إسرائيل إلى وقف عملياتها العسكرية في غزة فوراً، وإنهاء الحصار شبه الكامل على المساعدات الإنسانية الذي استمر لما يقرب من ثلاثة أشهر. وهدد البيان باتخاذ "إجراءات ملموسة" إذا استمرت إسرائيل في توسعها العسكري "الفاضح"، واعتبر أن "مستوى المعاناة في غزة لا يُطاق"، مشيراً إلى أن "حرمان السكان المدنيين من المساعدات الإنسانية الأساسية" قد يُعد خرقاً للقانون الإنساني الدولي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا البيان الذي جاء بعد رسالة تحذير شديدة اللهجة من رئيس المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر حول خطر انتشار المجاعة في قطاع غزة، كان أول دليل حقيقي على أن سلوك دولة إسرائيل في غزة بدأ يفقدها آخر ما تبقى لها من دعم دولي. وبكل عصبية اتهم نتنياهو الدول الثلاث الموقعة على البيان بأنها قدمت لحركة "حماس" "جائزة كبرى" في الحرب. وسواء كان ذلك نتيجة مباشرة لتلك الإدانة أم لا، فإن كميات معتبرة من المساعدات الغذائية قد بدأت بالدخول إلى قطاع غزة للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر.
ومع تعرض الموظفين الدبلوماسيين الإسرائيليين في الخارج للتهديد بشكل واضح، أضحى من الصعب على المملكة المتحدة وغيرها من الدول متابعة الإدانة التي تضمنها بيانهم الأخير، أو توضيح ما يُقصد بـ"إجراءات ملموسة". إذ بات لدى نتنياهو وإسرائيل والجاليات اليهودية حول العالم دليل قاتل وجديد يُظهر أنهم لا يشعرون بالخطر فقط، بل قد يكونون فعلاً عرضة له.
وعلى رغم أن البعض سيُصرّ على وجود فارق بين ممثلي الدولة الإسرائيلية الرسميين، مثل الدبلوماسيين، وبين أبناء الشتات اليهودي، الذين يعارض كثير منهم علناً سياسات حكومة نتنياهو، فإن جريمة القتل في واشنطن ستزيد حتماً من مخاوف اليهود العاديين على أمنهم وسلامتهم، ومن سيلومهم؟ كما أن الخط الفاصل بين الاحتجاجات ضد تصرفات دولة إسرئيل وبين معاداة السامية المتأصلة ليس سهلاً دائماً تحديده بوضوح.
ومن المرجح أن تؤدي الجريمة إلى تداعيات فورية أخرى. أولها، تركيز متزايد على أمن الأفراد والمؤسسات المرتبطة بإسرائيل أو بالجاليات اليهودية حول العالم، على رغم التساؤلات عن مدى فعالية هذه الجهود في مواجهة مهاجمين منفردين، وضمن جو رأي عام معادٍ بشدة. وبالتزامن مع بدء تدفق مساعدات جديدة إلى غزة، قد يسهم الحادث أيضاً في كبح بعض الانتقادات الدولية الموجهة إلى إسرائيل. وقد اتهم نتنياهو بعد الجريمة كير ستارمر وغيره من القادة العالميين بأنهم "يقفون في الجانب الخطأ من العدالة والإنسانية والتاريخ".
وقد يكون الأثر الثالث المحتمل حالة تعاضد وطني حتى لو لم يكن دعماً مباشراً لحكومة نتنياهو نفسها. كما يمكن أن يسهم ذلك في ترسيخ استمرار الدعم الأميركي.
وما لم تظهر أدلة جديدة تشير إلى أن منفذ إطلاق النار في واشنطن لم يكن يعمل بمفرده، أو أن الجريمة كانت جزءاً من عملية منظمة لاستهداف المصالح الإسرائيلية في الخارج، فإن تداعيات الحادث في الشرق الأوسط قد تبقى محدودة. وحتى لو قرر نتنياهو تنفيذ ضربات انتقامية إضافية ضد "حماس"، فمن الصعب تخيّل ما تبقى له ليُدمّره، وهذا يُشكل تبايناً صارخاً مع محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي [في المملكة المتحدة] شلومو أرغوف في عام 1982.
كان أرغوف قد تعرض لإطلاق نار وأصيب بالشلل من جرائه، عند مغادرته حفل استقبال دبلوماسي كان يقام في فندق دورشيستر في لندن. وألقيت مسؤولية الهجوم حينها على "مجموعة أبو نضال" الفلسطينية، واستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن، الهجوم ذريعة لتنفيذ عملية غزو شامل للبنان. والنتيجة كانت حرباً استمرت ثلاث سنوات.
وتبدو المقارنة مع عام 2025 مفيدة. فمكانة إسرائيل في الشرق الأوسط اليوم هي أكثر قوة ولا تشهد منافسة قوية كما كانت عليه الأوضاع في تلك الحقبة. فحركة "حماس" اليوم، أو أنها كانت، جماعة تنشط في الإقليم فقط: وهي لم تكن على مستوى انتشار منظمة التحرير الفسلطينية وفروعها التي كانت قد فرضت نفسها عنواناً للإرهاب الدولي. فلقد كانت هناك منظمة قائمة، وكان لها من يحميها، وذلك وفر ذريعة لإسرائيل وهامشاً لمواجهتها.
قد يشعر نتنياهو وحكومته بإغراء للرد على عملية اغتيال الدبلوماسيين، ولكن احتجاج مسلح واحد، إن صحت هذه الفرضية، يجعل من أي رد فعل صعباً للغاية. فهذه حادثة معزولة في بلد أجنبي وتعبير عن شعور عام سائد على نطاق واسع [المعبر عن تعاطف مع الفلسطينيين]، وهي اعتداء وحشي يصعب منع تكراره في المستقبل.
© The Independent