Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح الحرب الكبرى يحوم مجددا فوق لبنان

تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة جديدة تلغي حصانة الضاحية الجنوبية التي كرسها "حزب الله" خلال الأعوام الماضية

بعد قصف الضاحية الجنوبية لبيروت قبل يومين عاد الشبح الكبرى ليحوم بقوة فوق لبنان (ا ف ب)

ملخص

أثارت ضربة الضاحية الجنوبية لبيروت قبل يومين مخاوف جدية أكثر من أي وقت مضى حيال عودة الحرب كما كانت قبل أشهر، بخاصة في ظل التوترات المستمرة في المنطقة، كما أدى إلى حال من الذعر بين السكان مع إغلاق المدارس والجامعات في المناطق المستهدفة، وفرار المدنيين من المناطق المعرضة للخطر، وفي البعد العسكري جاءت الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لتنفذ معادلة يسرائيل كاتس "المطلة مقابل بيروت" التي سبق وهدد بها.

في تصعيد ينذر بالأسواء، جاءت الغارات الإسرائيلية لتستهدف قلب الضاحية الجنوبية لبيروت قبل يومين للمرة الأولى منذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأتت الغارات بعد إطلاق صاروخين من جنوب لبنان نحو شمال إسرائيل، حيث جرى اعتراض أحدهما فيما سقط الآخر داخل الأراضي اللبنانية.

وكانت الغارات استهدفت مبنى في حي الحدث بالضاحية الجنوبية، وهو منطقة سكنية مكتظة وقريبة من المدارس، ومثلما كان يحصل في أيام الحرب، سبق القصف تحذير من الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء المبنى والمباني المجاورة، معتبراً أنها تحوي منشآت تابعة لـ "حزب الله"، كما شنت القوات الإسرائيلية غارات على مواقع في جنوب لبنان، بما في ذلك بلدة كفرتبنيت، حيث أفادت وزارة الصحة اللبنانية بمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 18 آخرين بينهم نساء وأطفال، مما رفع عدد القتلى إلى أكثر من 100 شخص منذ انتهاء الحرب ونحو 300 جريح، وفق الدولية للمعلومات.

كاتس: ستهتز أسطح المنازل في الضاحية

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس حمّل مباشرة الحكومة اللبنانية مسؤولية إطلاق الصواريخ، محذراً من أن إسرائيل سترد بقوة على أي تهديد لأمنها، قائلاً "إذا لم يكن هناك سلام في كريات شمونة وتجمعات الجليل شمال إسرائيل فلن يكون هناك سلام في بيروت".

وأضاف، "في مقابل كل محاولة للمساس بمجتمعات الجليل ستهتز أسطح المنازل في الضاحية في بيروت"، متابعاً "أوجه رسالة واضحة للحكومة اللبنانية بأنه إذا لم تطبقوا اتفاق وقف إطلاق النار فإننا سنفعل ذلك، فلقد وعدنا سكان الجليل بالسلام والأمن وهذا ما سيكون".

وفي السياق نفسه أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في منشور عبر حسابه عبر منصة "إكس" أن المعادلة تغيرت وأن إسرائيل لن تسمح بأي إطلاق نار على بلداتها مهما كان، مشيراً إلى أن إسرائيل ستواصل فرض وقف إطلاق النار بالقوة ومهاجمة أي مكان في لبنان يهدد أراضيها، وستضمن عودة جميع سكانها في الشمال لمنازلهم بأمان.

 

"حزب الله" ينفي

وفي تفاصيل ضربة الضاحية قال الجيش الإسرائيلي إن سلاح الجو هاجم منشأة لتخزين الطائرات المسيرة تابعة لـ "حزب الله" في المنطقة، مضيفاً في بيان أن إطلاق الصواريخ صباحاً باتجاه الجليل الأعلى يشكل انتهاكاً صارخاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان وتهديداً مباشراً على الإسرائيليين، لكن "حزب الله" نفى بدوره أية علاقة له بإطلاق الصواريخ، مؤكداً التزامه باتفاق وقف إطلاق النار، كما دان رئيس الجمهورية اللبناني جوزاف عون من الإليزية خلال لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "أي اعتداء على لبنان وأية محاولة مشبوهة لإعادة لبنان لدوامة العنف"، وناشد "أصدقاء لبنان للتحرك سريعاً ووقف التدهور ومساعدة البلاد في تطبيق القرارات الدولية"، في حين أكدت الخارجية الأميركية أن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية، مشددة على واجب الحكومة اللبنانية حيال نزع سلاح الجماعات المسلحة مثل "حزب الله".

هل تتجدد العمليات العسكرية؟

أثارت ضربة الضاحية الجنوبية لبيروت مخاوف جدية أكثر من أي وقت مضى من عودة الحرب كما كانت قبل أشهر، وبخاصة في ظل التوترات المستمرة في المنطقة، كما أدت إلى حال من الذعر بين السكان مع إغلاق المدارس والجامعات في المناطق المستهدفة، وفرار المدنيين من المناطق المعرضة للخطر، وهو ما أعاد مشهدية النزوح نفسها لأذهان اللبنانيين جميعاً.

وفي البعد العسكري جاءت الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لتنفذ معادلة يسرائيل كاتس "المطلة مقابل بيروت" التي سبق وهدد بها، وبذلك تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة جديدة تلغي حصانة الضاحية التي كرسها "حزب الله خلال الأعوام الماضية خارج إطار الحرب الكبرى، مما يشير إلى نية إسرائيل توسيع رقعة الحرب لتشمل العمق اللبناني، إذ زعم بيان جيشها أن الغارات استهدفت منشأة لتخزين الطائرات المسيرة تابعة لـ "حزب الله" في منطقة سكنية، وهذه رسالة خطرة مفادها بأن إسرائيل لن تنتظر هجوماً مباشراً لترد بل ستبادر إلى استهداف أي موقع تعتقد أنه يشكل تهديداً مستقبلياً، متسلحة ببند حرية العمل العسكري الذي نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين الجانب اللبناني.

وهنا قد تكون الغارة محاولة لاختبار رد "حزب الله"، وما إذا كان سيكتفي بردود محسوبة كما حصل سابقاً أم سيتجاوز الخطوط الحمر ويفتح جبهة أوسع في محاولة لتوريطه، ذلك أن قصف الضاحية يهدف إلى إحراج الحزب أمام جمهوره وخلق حال من الشك في قدرته على حماية بيئته الحاضنة، وهو ما قد يولد توترات داخلية ضمن الحزب كتنظيم وفي بيئته، وبخاصة في حال استمر القصف من دون رد قوي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تضييق الخناق على الدولة اللبنانية

وضمن مروحة أهداف إسرائيل تضييق الخناق على الدولة اللبنانية، إذ تُحمل الحكومة مسؤولية أنشطة "حزب الله" مما يشير إلى توجه إسرائيلي لتعقيد وضع لبنان دولياً عبر تصويره كدولة غير قادرة على ضبط سيادتها، ولا يمكن فصل التصعيد عن سياق الحرب المستمرة في غزة، فإسرائيل تخشى من تحول الجنوب اللبناني من جديد إلى جبهة نشطة تدعم حركة "حماس" في غزة بعد استئنافها حربها هناك، وبالتالي يأتي التصعيد كرادع استباقي لأي تحرك واسع من الشمال، وهنا يأتي السؤال: هل ينزلق "حزب الله" نحو الرد مما ينذر بعودة الحرب، وهذه المرة ستكون أقسى وأشرس، أم سيرد بضربات محدودة جنوباً تجنباً للانجرار نحو حرب مفتوحة، مع الحفاظ على معادلة الردع المترهلة؟ وفي حال تكررت الغارات على العمق اللبناني فقد يتجه الحزب إلى توسيع نطاق الرد مما يرفع خطر الانزلاق إلى مواجهة أوسع، أم أنه سيكون هناك احتواء دولي وقد تتدخل أطراف إقليمية ودولية لضمان عدم عودة الحرب؟

من لديه معلومات مؤكدة عن من أطلق الصواريخ فليقدمها

يقول الكاتب السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية قاسم قصير في حديث مع "اندبندنت عربية"، إنه "إذا أردنا تحديد مسؤولية أي طرف سياسي، سواء كان دولة أو حزباً أو تنظيماً أو شخصية في حدث معين، فتكون هناك احتمالات عدة ومنها أن تكون لدينا معلومات مؤكدة ومحسومة حول من قام بالحدث، وإذا لم تكن لدينا معلومات فنتابع المواقف التي تتحدث عن الموضوع، ومن يتحمل المسؤولية صراحة أو بصورة غير مباشرة، ومن يكون مستفيداً من الحدث، أي من هي الجهة التي استفادت أو تستفيد، وحينها ندرس كل المعطيات المتوافرة حول طبيعة الحدث وظروفه".

ويضيف قصير أنه "إذا أردنا تطبيق ذلك على موضوع إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل فمن لديه معلومات مؤكدة فليقدمها لنا، سواء كانت مخابرات الجيش اللبناني أو قوات الطوارئ الدولية أو اللجنة الدولية الخماسية أو أي طرف، وبإنتظار ذلك فإن المستفيد الأول والأخير هو العدو الإسرائيلي الذي استغل الحدثين من أجل تبرير عدوانه على لبنان، وكذلك واشنطن التي استغلت الحدث من أجل تبرير العدوان والدفاع عن تل أبيب والدعوة إلى محادثات سياسية ومفاوضات بين لبنان وإسرائيل، فقد نفى الحزب المسؤولية لأن بيئته هي المتضرر الأكبر مما يجري".

ويتابع الأكاديمي قاسم قصير أنه "من أجل منع عودة الحرب للجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية فالمطلوب من الدولة والجيش اللبناني واللجنة الدولية تحمل المسؤولية وتحديد من يقوم بإطلاق الصواريخ، وإدانة إسرائيل على كل عدوان تقوم به على لبنان، لأنه من الواضح أن عملية إطلاق الصواريخ التي حصلت أو قد تحصل لاحقاً، يقوم بها عملاء لإسرائيل لتبرير العدوان الإسرائيلي أو لتبرير العودة للحرب أو لضرب البيئة المؤيدة للحزب". 

 

الأمن الإسرائيلي خريطة طريقة لتنفيذ القرار (1701+)

ومن وجهة نظر أخرى أشار الكاتب والمحلل السياسي سمير سكاف لـ "اندبندنت عربية" إلى أن اسرائيل أكدت بدورها أن أمنها هو العامود الفقري لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وهو خريطة الطريق لتنفيذ القرار الأممي رقم (1701)، لا بل هو القرار ((+1701، متابعاً أن "الجانب الاسرائيلي يركز على الأخطار التي تتهدده وتتهدد شماله وقرى ومستوطنات هذا الشمال وتمنع عودة 60 ألف نازح، وهو ما تعتبره اسرائيل في أعلى سلم أولوياتها بعد ملف الأسرى، وفي هذا الإطار لا تتوقف الحسابات الإسرائيلية عند حدود نهر الليطاني، ولا فرق بالنسبة إليها بين جنوب الليطاني وشماله، وبالتالي فلن تتوقف عملياتها العسكرية حتى تعطيل قدرات الحزب وقدرات محيطه وحلفائه وقدرات كل العناصر المنضبطة في فلكه العسكرية والصاروخية".

"بيروت في مقابل المطلة"

وفي السياق يبدو لافتاً تحميل كل من إسرائيل والولايات المتحدة الدولة اللبنانية عدم الاستقرار على الجبهة الشمالية ومسؤوليتها عن كل إطلاق من أراضيها،  إذ أكدت نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس أن الحكومة اللبنانية مسؤولة عن نزع سلاح "حزب الله"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن "الحكومة اللبنانية غير قادرة على السيطرة على كل شيء مما يسهم في تدهور الأوضاع الأمنية داخل البلاد". ورفضت أورتاغوس المقارنة بين لبنان وقطاع غزة، موضحة أن "الوضع في لبنان مختلف من حيث الهيكل السياسي والأمني، كما أنه لا يمكن القول إن إسرائيل تنتهك اتفاق وقف النار مع لبنان"، داعية السلطات اللبنانية إلى "تحمل مسؤولياتها بدلاً من إلقاء اللوم على إسرائيل"، وهو ما يشير إلى رغبة أميركية - إسرائيلية في إبقاء ورقة الجنوب حاضرة ضمن الحسابات السياسية والأمنية.

وهذا النوع من التصعيد المحدود، أي إطلاق صواريخ لا فائدة من عملية إطلاقها حيث لا تصيب أي أهداف ولا تحقق إلا ذريعة تستخدمها إسرائيل لتبرير خروقات أو حتى عمليات موضعية مستقبلاً، ضمن معادلة ردع جديدة تبقي لبنان تحت الضغط وتمنح إسرائيل هامش تحرك سياسي وأمني.

ويعلق الكاتب سمير سكاف على عملية الإطلاق بالقول "إن إسرائيل تتسلح بالصواريخ التي تضربها، فتبني ردها غير المتوازن على القرى الجنوبية في لبنان، وبدأت توسع رقعة أهدافها باتجاه بيروت، وصحيح أن الحزب ينكر إطلاق الصواريخ على المطلة والشمال الإسرائيلي، ولكن الكل يدرك أنه يغطي مطلقي الصواريخ بسيطرته الأمنية والميدانية على الجنوب بسبب إدارته الأمنية لكل ما يجري من مواجهات مع العدو الاسرائيلي، وصولاً إلى تنظيم التحركات الشعبية بالتكليف الشرعي إذا لزم الأمر عند الحاجة".

ويختم سكاف بأنه "رسمياً يلتزم الحزب بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وهو بالتالي لا ينفذ مباشرة ولا يتبنى عمليات إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه المطلة، لأن الصواريخ تطلق بطرق بدائية بعيدة من أسلوبه، ولكن إسرائيل أدخلت معادلة جديدة، فبعد أن كان 'حزب الله' في زمن أمينه العام السابق حسن نصرالله قد اعتمد معادلة تل أبيب في مقابل الضاحية، أطلقت اسرائيل معادلة 'بيروت في مقابل المطلة' مما يعني أن بيروت والضاحية الجنوبية لن تكونان بمأمن من الغارات الإسرائيلية التي يمكن أن تطالها مع أو من دون التحذيرات التي يطلقها المتحدث الاسرائيلي أفيخاي أدرعي لإخلاء المباني قبل تدميرها بصواريخ الطيران الاسرائيلي، ومعادلة الأمن الإسرائيلي على جميع الأراضي اللبنانية هي أساس المعادلة الأمنية المقبلة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير

OSZAR »