ملخص
في زيارته بيروت ركز آموس هوكشتاين الموفد الرئاسي الأميركي على عنوانين هما الحدود والأسرى، ولم تستبعد مصادر أنه يمهد لما يعني لبنان في ضوء الاتصالات التي تحصل في مسقط بين الأميركيين والإيرانيين في موازاة استمرار الحرب في غزة
اتخذت زيارة موفد الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين الخاطفة إلى بيروت صفة العجلة، خصوصاً أن المسؤولين في لبنان لم يبلغوا بموعدها إلا قبل ساعات، وحددت الإثنين، أي قبل يوم واحد من حصولها، وفق ما كشفت مصادر حكومية لـ"اندبندنت عربية".
وطرحت علامات استفهام عن الأسباب التي دفعت بهوكشتاين إلى التوجه إلى لبنان بهذه السرعة، وبتكليف من الرئيس الأميركي جو بايدن، ولم يكن مضى سوى أيام قليلة على لقاء وزير الخارجية أنتوني بلينكن برئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الأردن.
ففي المضمون حمل الموفد الأميركي، وهو أول مسؤول أميركي يزور لبنان منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رسالة التهدئة، وكرر في تصريحاته ما سبق وأبلغه بلينكن لرئيس حكومة لبنان عن أهمية احترام القرار الدولي 1701 وتنفيذه كاملاً، والعمل على منع التصعيد على الحدود الجنوبية من قبل الطرفين، لكن الأساس من الزيارة المفاجئة إلى لبنان هو ما لم يقل علناً، أو ما قيل في الاجتماعات المغلقة، خصوصاً أن هوكشتاين وفق ما علمت "اندبندنت عربية" كان عرج في طريقه إلى بيروت على القاهرة وتل أبيب.
وكشفت مصادر سياسية شاركت في اللقاءات لـ"اندبندنت عربية" أن الموفد الأميركي حمل رسالة إلى "حزب الله" ودعاه إلى عدم الانجرار إلى التصعيد وضبط النفس والتزام قواعد الاشتباك، مهما حصل على الحدود، وحتى لو صعدت إسرائيل داخل غزة.
وأبلغ هوكشتاين المسؤولين في لبنان أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على تأمين ممرات إنسانية في المرحلة الحالية، وأنه لا اتفاق لوقف إطلاق النار، سعت الدول العربية إلى التوصل إليه قبل القمة العربية الطارئة المقررة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري في الرياض، وهو ما دفعه إلى الطلب بأن ينأى لبنان، أو بالأحرى "حزب الله"، بنفسه عن التصعيد الذي سيستمر في غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن زيارة الموفد الأميركي تأتي استكمالاً لمساعي الوزير بلينكن إلى التهدئة والعمل على الحل السياسي لمرحلة ما بعد الحرب، وهو ربما حمل إلى لبنان بعض الأجوبة عن أسئلة نقلها ميقاتي إلى بلينكن لها علاقة بمطالب طرحها "حزب الله" لقاء عدم التصعيد في الجنوب.
ولم تستبعد المصادر أن تمهد زيارة الموفد الأميركي التي وصفت بالاستطلاعية، لبدء البحث الجدي بالجزء الذي يعني لبنان في الحل السياسي الجاري التفاوض حوله في مسقط بين الأميركيين والإيرانيين في موازاة استمرار الحرب، ومن ضمنه ملف الحدود البرية ومعالجة النقاط العالقة براً بين لبنان وإسرائيل وقضية مزارع شبعا والتفاهم على إنتاج السلطة بدءاً من رئاسة الجمهورية، علماً أن الأولوية تبقى الآن لمساعي التهدئة.
محادثات ضمن عنوانين
لم يأتِ آموس هوكشتاين، نجم ترسيم الحدود البحرية، هذه المرة وسيطاً في ملف الغاز والحدود، إنما بصفته موفداً رئاسياً خاصاً للرئيس جو بايدن.
وفي زيارته الخاطفة إلى لبنان التقى ثلاثة مسؤولين، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزيف عون، وصديقين هما نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب والمدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وأجرى اتصالاً هاتفياً بالمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري الذي استحق إشادة من البيت الأبيض على دور الأمن العام اللبناني على أكثر من صعيد وفق ما أبلغ هوكشتاين في اتصاله الهاتفي البيسري.
أما أهمية الزيارة وفق أكثر من مصدر سياسي في لبنان أنها أطلقت إشارة البدء بمسار سياسي للحرب، لبنان جزء منه ومعني به.
ركز الموفد الرئاسي الأميركي في محادثاته في بيروت على عنوانين هما الحدود والأسرى، وفي الأول شدد على إبقاء لبنان بعيداً من الصراع الدائر في غزة، من خلال الالتزام بالتطبيق الكامل للقرار الدولي 1701 الصادر بعد "حرب تموز" عام 2006. وإذ أعلن من مقر رئاسة الحكومة اللبنانية أنه لمس من خلال محادثاته عدم رغبة لبنان وإسرائيل بتصعيد الوضع.
علمت "اندبندنت عربية" أن هوكشتاين ذكر المسؤولين على ما ينص عليه القرار الدولي في بندين أساسين لجهة وقف الأعمال الحربية بين "حزب الله" وإسرائيل، وبسط الجيش اللبناني سيطرته على كامل الحدود في المنطقة، وأبدى استعداد بلاده لدعم الجيش حتى يتمكن من بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها.
وكانت هذه المسألة مدار بحث مع قائد الجيش جوزيف عون لجهة مدى قدرته على ضبط الوضع على الحدود بالتعاون مع القوات الدولية تنفيذاً للقرار 1701.
وكشفت مصادر دبلوماسية أن هوكشتاين شدد على التزام لبنان القرار 1701 عملياً، وليس فقط كلامياً. ومن المتوقع أن يلتئم مجلس الأمن في 22 نوفمبر الجاري في اجتماع دوري كما جرت العادة لمتابعة تنفيذ القرار 1701، وستتخذ الجلسة هذه المرة طابعاً استثنائياً وسط التطورات العسكرية على الحدود والخروقات المستمرة للقرار الدولي، مما يطرح علامة استفهام حول إمكانية اعتماد الفصل السابع لتنفيذ القرار.
بري دعا أميركا إلى ردع إسرائيل
لم يتردد المسؤول الأميركي، وفق ما كشفت مصادر سياسية شاركت في الاجتماعات، أن ينقل تخوفاً أميركياً بوجود نوايا إسرائيلية في الدفع باتجاه تصعيد الوضع مع "حزب الله".
وطلب هوكشتاين من الحزب بواسطة الرئيس بري التزام ضبط النفس وفق العناوين التي حددها أمينه العام حسن نصر الله في خطابه الأخير، والذي لقي ارتياحاً لدى الجانب الأميركي.
وذكر البيان الصادر عن السفارة الأميركية في بيروت "أن هوكشتاين استمع إلى مخاوف المسؤولين اللبنانيين وأبلغهم بما تقوم به الولايات المتحدة لمعالجتها. وأكد أن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى الصراع في غزة يتمدد إلى لبنان".
ووزعت مصادر مقربة من بري، غير المتحمس لفتح جبهة على الحدود، أن الأخير أعاد التأكيد للمسؤول الأميركي "أن العدو الإسرائيلي هو من بدأ بالاعتداء، فهو ضرب المدنيين، والأطفال والإسعاف، وسأل بري هوكشتاين "إن كانت دولته سجلت اعتداءً من المقاومة على المدنيين، أو إقدامها على قصف عشوائي كما يفعل جيش العدو".
وشدد بري أن "على أميركا ردع إسرائيل أولاً وأخيراً، وكثيراً ما كانت المقاومة رد فعل على الأفعال الإجرامية للعدو".
مساعٍ لتحرير الأسرى
وأكدت مصادر دبلوماسية أن الهدف الثاني لزيارة الموفد الأميركي إلى لبنان، إضافة إلى تأمين التهدئة على الحدود، هو ملف الأسرى المحتجزين لدى "حماس"، خصوصاً أن هذا الملف بات يشكل عامل ضغط كبير على الإدارة الأميركية التي تحاول إحراز تقدم فيه لاحتواء الضغوط المتنامية داخل الولايات المتحدة وخارجها. وتعلم واشنطن أن لـ"حزب الله" وطهران دوراً مؤثراً في هذا الملف.
وفي هذا الإطار يأتي اللقاء بين هوكشتاين وصديقه عباس إبراهيم، الذي استعان به ليكون مجدداً قناة الاتصال والتواصل مع الحزب في ملف الأسرى، بعدما نجح سابقاً في وساطة انتهت بإنجاز ترسيم الحدود البحرية.
ورافق اجتماع هوكشتاين وإبراهيم تكتماً شديداً وذكر البيان الصادر عن مكتب إبراهيم أن اللقاء تناول المستجدات والتطورات على الساحة الإقليمية والدولية، وسبل تحييد لبنان عن الصراع في غزة. والمعلوم أن إبراهيم زار قطر ومصر، مما اعتبر تمهيداً للقائه بهوكشتاين.