Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تقصف وإيران ترد واللبنانيون يسألون: هل سننجو؟

إسرائيل تعد "حزب الله" جزءاً من المنظومة الإيرانية وقد تبادر بهجوم استباقي في لبنان

الصواريخ الإيرانية في سماء إسرائيل واللبنانيون يرصدونها في الأجواء اللبنانية مساء (ا ف ب)

ملخص

بعد الضربات الإسرائيلية على إيران، تتخوف أوساط سياسية أن يجد لبنان نفسه مرة أخرى بين مطرقة الصراع الإقليمي وسندان العجز الداخلي، فيما يشدد المتخصص العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد جورج نادر أن لبنان اليوم في عين العاصفة، والحكمة تقتضي أن تبقى الجبهة الجنوبية صامتة، وإلا فإن النتائج ستكون كارثية على الدولة والناس

يترقب اللبنانيون بقلق ثقيل مفاعيل الضربة الإسرائيلية التي استهدفت فجر اليوم الجمعة مواقع حساسة في العمق الإيراني، وسط مخاوف بأن الشرارة التي انطلقت من "خوزستان" قد تصل إلى لبنان، وذلك كنتيجة طبيعية للتشابك العضوي بين طهران و"حزب الله"، مما يجعل لبنان دائماً في مرمى ارتدادات الصراعات الكبرى.

وتتخوف أوساط سياسية أن يجد لبنان نفسه مرة أخرى بين مطرقة الصراع الإقليمي وسندان العجز الداخلي، فإسرائيل، التي تعد "حزب الله" جزءاً من المنظومة العسكرية الإيرانية، قد لا تنتظر تنفيذ أي هجوم من الجنوب لترد، بل قد تبادر بضربة استباقية تشمل منشآت ومراكز تخزين صواريخ أو مصانع مسيرات، كما لمح بعض القادة الإسرائيليين.

الضربة لإيران وفق معظم المراقبين لم تكن استباقية فحسب، بل رسالة مباشرة إلى إيران وحلفائها، ساحة المواجهة لم تعد محصورة بغزة أو الجولان أو البحر الأحمر بل وصلت إلى العمق الإيراني، مما فتح باب الأسئلة في الشارع والسياسة، هل يلتزم الحزب بسياسة التريث أم يجد نفسه مضطراً للرد حفظاً لهيبته وولائه الاستراتيجي لإيران؟ وهل تملك الدولة اللبنانية في ظل عجزها المؤسساتي، القدرة على تحييد نفسها ومنع استخدام أراضيها ساحة حرب؟ أم أن القرار سيفلت مجدداً من يدها كما حصل مراراً خلال العقود الماضية؟

مسيرات الضاحية

الحدث لم يكن مفاجئاً من حيث التوقيت فحسب، بل أيضاً من حيث المكان الذي ارتد إليه صداه، الضاحية الجنوبية لبيروت. فعلى رغم عدم صدور موقف رسمي سريع من "حزب الله"، فإن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع مفترضة له قبل أيام داخل الضاحية الجنوبية بدت كتمهيد مبكر لاحتواء أي رد محتمل، لا سيما أن الجيش الإسرائيلي كان أعلن حينها أنه استهدف منشآت لتطوير "المسيرات".

 

وعززت تحليلات عدد من العسكريين اللبنانيين هذا الانطباع، مشيرين إلى أن المواقع المستهدفة كانت على الأرجح مرتبطة ببرامج تصنيع مسيرات هجومية متطورة. وبحسب هذه التحليلات، فإن إسرائيل تعمدت ضرب تلك المنشآت استباقاً بعدما توافرت لديها معلومات استخباراتية حول نية محتملة لدى "حزب الله" لاستخدام المسيرات في أي رد عسكري دفاعاً عن إيران، مما يضع الضربة في إطار خطة احتواء أوسع تشمل الجبهة اللبنانية قبل أن تنفجر.

حياد عاجز؟

في مواجهة هذا التصعيد، كانت لافتة البيانات الرسمية أن "لبنان لا يريد أن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين الآخرين"، داعياً إلى التهدئة وضبط النفس، وتشديدها على تمسك لبنان بـ"القرار 1701" وبالتنسيق مع القوات الدولية (يونيفيل)، لكن هذه المواقف، وإن حملت نبرة دبلوماسية رصينة، بدت عاجزة عن فرض الوقائع على الأرض.

وعلى رغم أن أوساط "حزب الله" وتصريحات مقربين منه، واكبت البيانات الرسمية لناحية عدم التدخل في الصراع واستمرار الالتزام بوقف إطلاق النار، إلا أن المخاوف لا تزال مشروعة، إذ كثيراً ما كان قرار الحرب والسلم خارج مؤسسات الدولة في يد "حزب الله"، الذي يعد نفسه في موقع "الشريك العقائدي والاستراتيجي" مع إيران. وهذه العلاقة تتجاوز البعد العسكري، لتلامس عمقاً أيديولوجياً يتخطى الحدود الوطنية.

فيما تتخوف أوساط سياسية أن تكون نتيجة لوجود قرار إيراني بعدم التسرع في إشعال الجبهات، وهو ما يفسره بعض أنه قد يكون تكتيكاً بانتظار القرار المركزي من طهران، لكنه أيضاً قد يخفي نية بإعداد رد غير تقليدي ربما عبر الأراضي السورية، أو من خلال تصعيد تدريجي محدود لا يورط لبنان في حرب شاملة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانتحار الجماعي

ترى بعض الأوساط الأمنية أن الخشية الحقيقية من أن يذهب "حزب الله" إلى رد محدود أو مدروس، لا رغبة في الحرب بل حفظاً لماء الوجه، لكن هذه الحسابات قد تنقلب إلى كارثة لأن إسرائيل لن تميز بين رد "مدروس" ورد شامل. فهي تعد أن أي هجوم من لبنان هو تهديد وجودي يستدعي رداً مزلزلاً.

في السياق، حذر عدد من المحللين من مغبة الانجرار إلى لعبة المحاور، إذ ناشد الكاتب السياسي علي الأمين عدم توريط بيروت في صراع لا علاقة له بمصالحه الوطنية، مؤكداً أن أي رد من "حزب الله" سيكون ثمنه فادحاً يدفعه الشعب اللبناني، لا الحزب ولا إيران.

وقال "المطلوب اليوم هو تحييد لبنان فعلاً لا قولاً. والبيانات الشكلية لم تعد تكفي، فكل صاروخ ينطلق من الأراضي اللبنانية يجعل من كل مواطن رهينة لحسابات لا تخصه. "حزب الله" ليس فقط لاعباً لبنانياً، بل هو جزء عضوي من المشروع الإيراني، بالتالي فإن قرار الرد أو عدم الرد لا يتخذ في بيروت بل في طهران، هذا ما يجب أن يدركه الرأي العام اللبناني، لأنه في حال حصل الرد فإن الجبهة ستفتح علينا جميعاً، لا على الحدود فقط".

وأضاف أن إسرائيل تدرك تماماً هذه المعادلة، ولهذا فإن أية رصاصة قد تطلق من الجنوب ستقابل بضربات موجعة تشمل بنى تحتية مدنية وأحياء سكنية.

سياق إقليمي

من ناحيته شدد المتخصص العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد جورج نادر على أن الضربة الإسرائيلية داخل إيران لم تكن معزولة عن سياق إقليمي واسع، وأن لبنان مهدد بدفع ثمن أي تحرك انتقامي من "حزب الله".

قال نادر إن "إسرائيل لا ترى فرقاً بين إيران و"حزب الله". فالاثنان يشكلان في نظرها، تهديداً واحداً ضمن شبكة متكاملة. بالتالي، أي تحرك عسكري من الحزب انطلاقاً من لبنان، حتى لو كان محدوداً، سيفهم كرسالة إيرانية، وسيرد عليه بقوة تدميرية".

وأوضح أن "منظومة الردع الإسرائيلية لم تعد مقتصرة على رد الفعل بل باتت تقوم على الاستباق، وهذا ما رأيناه في الضربة على الضاحية الجنوبية قبل أيام التي استهدفت مواقع يعتقد أنها مخصصة لتطوير المسيرات. الرسالة واضحة، إسرائيل تراقب وتضرب قبل أن يطلق شيء".

وشدد أن لبنان اليوم في عين العاصفة. والحكمة تقتضي أن تبقى الجبهة الجنوبية صامتة، وإلا فإن النتائج ستكون كارثية على الدولة والناس.

الانقلاب على الدولة

من ناحيته أطلق الباحث السياسي نوفل ضو تحذيراً مباشراً من احتمال توريط "حزب الله" للبنان في مواجهة لا ناقة له فيها ولا جمل، معتبراً أن أي تصرف من هذا النوع سيكون خيانة وطنية موصوفة.

وقال "هل يعقل أن تقصف إيران في عمقها ولا ترد، بينما يكلف حزبها في لبنان بالرد نيابة عنها؟ إذا حصل ذلك، فهذه خيانة لكل لبناني ومساهمة في تحويل بلدنا إلى حقل تجارب لصراعات إقليمية".

وأضاف أن "الدولة مطالبة بأكثر من بيانات حيادية. وعليها أن تقول بوضوح إنه لا يسمح باستخدام الأراضي اللبنانية لأي رد على إسرائيل، أياً كانت الذريعة. لا نريد أن نحرق من أجل إنقاذ النظام الإيراني".

ولفت إلى أن التزام "حزب الله" بقرار مركزي من إيران بالتصعيد، فهذا يثبت أن لا سيادة في لبنان، ولا قرار في يد الدولة. وساعتها من حق اللبنانيين أن يطالبوا المجتمع الدولي بوضع حد لهذا الانقلاب على مفهوم الدولة.

انتهاء المهلة

في المقابل رأى الصحافي محمد علوش أن مشهد الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران يطرح أسئلة جوهرية حول "قوة إيران" التي كثيراً ما روج لها النظام الإيراني ومحوره في المنطقة.

وقال علوش "منذ وصول ترمب إلى الرئاسة بات الخيار العسكري حاضراً، وحذرنا مراراً من أن المفاوضات حول الملف النووي قد تترافق مع ضغط عسكري، وهذا ما حصل فعلاً في اليوم الـ61 من المهلة التي كان ترمب منحها لطهران".

وعد أن "نتنياهو يرى خلال هذه اللحظة فرصة مثالية لإنهاء التهديدات الوجودية على إسرائيل، لا سيما تلك المرتبطة بالسلاح الإيراني". وأشار إلى أن مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي لم ينته، بل قد يتوسع ليشمل جبهات خارج إيران، مثل سوريا ولبنان. وأضاف "نعم، أخشى من شرق أوسط إسرائيلي في ظل الانهيار الإقليمي، وبعد اغتيال قادة بارزين وغياب التوازن العربي".

وفي ما يخص الرد الإيراني، قال علوش إنه قائم حتماً، ولكن "علينا ترقب حجمه وقدرة طهران على إيلام إسرائيل فعلاً". وأردف "المقاومة في لبنان قد تبقى في حال سكون ما لم تتغير المعادلات، ولن يكون من السهل أن يرد ’حزب الله‘ انطلاقاً من لبنان إلا في حال توسعت المواجهة إلى حرب إقليمية".

وختم بتحذير واضح "نتنياهو يعد أن هذه فرصة تاريخية لإنهاء خطر المقاومة بجميع أذرعها، وإذا تبين أن النظام الإيراني عاجز عن الرد أو سقط، فلبنان لن يكون بمنأى عن هذا المصير".

تداعيات اقتصادية

في السياق أيضاً، لفت المحلل الاقتصادي نسيب غبريل إلى إمكانية بروز بوادر التأثير الاقتصادي على الواقع اللبناني، مشيراً إلى أن "التداعيات الاقتصادية للتصعيد الحاصل في المنطقة متشعبة، وتطال لبنان بصورة مباشرة"، معدداً أبرز جوانب التأثر في أربع نقاط:

أولاً، ارتفاع أسعار النفط بنسبة 13 في المئة صباح الضربة ينعكس مباشرة على كلفة الاستيراد في لبنان، خصوصاً أن البلاد تستورد كامل حاجاتها من المشتقات النفطية، التي تشكل نحو 26 في المئة من إجمال فاتورة الاستيراد، هذا الارتفاع، إذا ما استمر، سيعمق عجز الميزان التجاري، ويزيد الضغط على الليرة والاحتياط بالعملات الأجنبية.

ثانياً، ارتفاع أسعار الذهب قد يحمل بعداً إيجاباً نادراً، إذ سيعزز قيمة احتياط الذهب في مصرف لبنان. فبحسب الأرقام، ارتفعت قيمة هذا الاحتياط من نحو 15 مليار دولار خلال عام 2019 إلى أكثر من 30 مليار دولار حالياً، مما قد يسهم في تحسين مؤشرات التوازن المالي الظاهري للمصرف المركزي.

ثالثاً، التأثير السلبي في قطاع الطيران والسياحة، مع بدء بعض شركات الطيران العالمية بإلغاء رحلاتها إلى لبنان. وأوضح أن "هذا التطور يشيع مناخاً من عدم اليقين، ويضرب موسم الصيف السياحي في لبنان"، مع الإشارة إلى أن من حجز تذاكر السفر قد لا يلغي خططه مباشرة، لكنه سيبقى مترقباً لمسار التصعيد. وذكر أن شركة طيران الشرق الأوسط كانت الوحيدة التي استمرت في استخدام مطار بيروت خلال الحرب الإسرائيلية العام الماضي، مما قد يعيد تكرار السيناريو إذا تصاعدت الأزمة.

رابعاً، قد تفوت هذه التطورات على لبنان فرصة التقاط أنفاسه اقتصادياً، خلال وقت كانت بعض المؤشرات الإيجابية تلوح في الأفق. وقال "كان على لبنان أن يستغل التحولات الدولية لحشد الدعم، لكن مع تحول تركيز المجتمع الدولي إلى مجريات الحرب، قد تتراجع أولوية الملف اللبناني في أجندات الدول الداعمة".

وختم غبريل بالتشديد على أن "استعادة ثقة الأسواق والدول بلبنان تحتاج إلى إصلاحات فورية، لا إلى انتظار نهاية كل أزمة إقليمية"، في تلميح واضح إلى عجز السلطات اللبنانية عن الفصل بين المسار الداخلي وحروب الخارج.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات

OSZAR »