ملخص
لا يهدف المؤتمر فقط إلى إعادة تأكيد الالتزام الدولي الراسخ بحل الدولتين والتسوية السلمية لقضية فلسطين، بل إلى حشد جهود سياسية واقتصادية ومالية وأمنية دولية ضرورية لإنجاز هذا الهدف، باعتباره السبيل الوحيد لضمان السلم والأمن في المنطقة والعالم ومستقبل أفضل لشعوب الشرق الأوسط.
يضاعف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جهوده لحشد الدعم الدولي لإنجاح مؤتمر السلام الذي سينعقد تحت رئاسة مزدوجة فرنسية - سعودية في الأمم المتحدة ما بين 17 – 20 يونيو (حزيران) الجاري، وفرنسا تعتبر أن حل الدولتين كمسار لتحقيق السلام المنشود بين إسرائيل وفلسطين وأبعد من ذلك بين إسرائيل ومحيطها العربي، يبقى الخيار الوحيد أمام الشعبين. ويسعى المؤتمر إلى التركيز على المكاسب التي يمكن لجميع الأطراف تحقيقها عبر السلام. المؤتمر كان في صلب زيارة الدولة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، حيث عرض الرئيس الفرنسي فكرة مشاركة المملكة برئاسة المؤتمر. المبادرة تأتي في ظل الظروف المأسوية التي تعيشها غزة ومواصلة إسرائيل أعمال القصف والقتل.
يعقد المؤتمر في وقت حاسم تاريخياً للسلام في الشرق الأوسط، الذي شهد في العقود الأخيرة مزيداً من ترسيخ الاحتلال والعنف المتكرر والإرهاب وانهيار مفاوضات السلام، وهجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب في غزة وما نتج منها من تصعيد للعنف وخسائر بشرية فادحة وأسوأ أزمة إنسانية ومعاناة هائلة للمدنيين من الجانبين، بمن فيهم الرهائن وأسرهم والسكان المدنيون في غزة.
اعتماد تدابير ملموسة
وبالتوازي مع ذلك تعمل أنشطة الاستيطان على تعريض حل الدولتين للخطر، وهو الطريق الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطرة على السلام والأمن والازدهار الإقليمي والدولي. ويهدف المؤتمر إلى ترجمة الزخم من خلال البناء على المبادرات المتخذة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية واعتماد تدابير ملموسة لتعزيز احترام القانون الدولي وتعزيز السلام العادل والدائم والشامل وضمان الأمن للجميع في المنطقة والتكامل الإقليمي. فالمؤتمر لا يعمل فقط كتأكيد للالتزام الدولي الثابت بالتسوية السلمية للقضية الفلسطينية فحسب، فالهدف في المرحلة الحالية هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتحديد الخطوط العريضة للسلام في المنطقة ووضع روزنامة محددة على المدى القصير تؤدي إلى تحديد تاريخ للاعتراف بدولة فلسطين، لكن ذلك لن يكون من دون مقابل، حسب مصدر دبلوماسي رفيع.
يذكر أن التحالف الدولي لحل الدولتين الذي أعلن عنه في نيويورك على هامش الدورة الـ79 للجمعية العمومية للأمم المتحدة خلال اجتماع وزاري، شاركت به الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والنرويج.
والاجتماع كما ترى فرنسا هو لتحديد إطار سياسي يعطي المبادرة بعداً ملموساً وأفقاً واقعياً لحل الدولتين وخلق شرق أوسط جديد بنسخة جديدة.
للتوصل إلى ذلك استعانت فرنسا بحلفائها وشركائها الذين يؤيدون مقاربتها التي تستند إلى القانون والقرارات الدولية، مقاربة انبثقت عنها لجان العمل الثماني التي تعمل على قدم وساق على تحضير وثيقة عمل مع السعودية، وسيتعين على اللجان تقديم الخلاصات وما توصلت إليه بتاريخ الـ18 من يونيو، ومن ثم تشكيل أساس للخروج بوثيقة نهائية. لن يجري التصويت عليها لكنها ستعرض على الأعضاء لتبنيها والموافقة عليها، وتأمل فرنسا في أن تحصل على تأييد غالبية الأعضاء.
ويجري العمل على خريطة الطريق التي تضع في صلب أولوياتها التوصل إلى وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن، وتفتح الأفق على يوم السلام، اليوم التالي. وعليه سيجري العمل على كل المقترحات والمبادرات المختلفة التي قدمت في هذا الخصوص من بينها المبادرة العربية والمشروع المصري التي شددت على ضرورة تأسيس دولة فلسطينية في مهلة قصيرة يجري تحديدها، وذلك في مقابل السلام وانتظام إسرائيل في محيطها.
وأشار المصدر الفرنسي إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين يجب ألا يكون مجرد إعلان، بل أن يكون ضمن عملية ملموسة تتطلب المشاركة الفعلية بهذه الخطة، بمعنى وقف إطلاق النار ويوم السلام، وهذا يتطلب نزع سلاح "حماس" والعمل على تحديد إطار الأمن في غزة وكيفية تمويل إعادة الإعمار والحصول على ضمانات للمراحل كافة.
وترى فرنسا أن العمل على ضمان كل هذه المراحل يجنب الوقوع بمأزق "أوسلو"، الذي فشل بسبب غياب الضمانات وعدم انتظام الفاعلين الإقليميين، بطريقة تسمح بربط العملية السلمية بعدد من المصالح الإقليمية، لذا فإن فرض الضمانات يوفر الشروط لتحقيق الدولة الفلسطينية والبعد الإقليمي.
دولة منزوعة السلاح
كما أن الاعتراف لن يكون إلا بدولة منزوعة السلاح ومن دون "حماس"، وهو ما تعتبره فرنسا أمراً أساسياً، وتشدد في المقابل على تعزيز سلطة فلسطينية معترف بها تتمتع بصدقية من الفلسطينيين والمجموعة الدولية، وعدم ترك المجال أمام الجهات العنيفة.
وبحسب مصادر فرنسية، فإن المؤتمر لن يبحث فقط عملية الاعتراف وإنما الهدف هو تحديد إطار جديد يحظى بتأييد أكبر عدد من الشركاء الإقليميين، يؤدي للخروج من حال الحرب لإعادة إحياء عملية السلام.
ولا يهدف المؤتمر فقط إلى إعادة تأكيد الالتزام الدولي الراسخ حل الدولتين والتسوية السلمية لقضية فلسطين، بل إلى حشد جهود سياسية واقتصادية ومالية وأمنية دولية ضرورية لإنجاز هذا الهدف، باعتباره السبيل الوحيد لضمان السلم والأمن في المنطقة والعالم ومستقبل أفضل لشعوب الشرق الأوسط.
فموقف فرنسا من الاعتراف معروف وكرره وزير الخارجية جويل بارو قبل أيام حين ركز على استعداد فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
فرنسا التي تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تؤكد موقفها الذي لم يتبدل والمتمثل بقيمة جوهرية تتماشى مع موقفها المعلن مراراً، والذي يوفق بين حاجة إسرائيل إلى الأمن وحق الفلسطينيين في السيادة والاعتراف.
وبما أن العملية السلمية تعيد إلى الأذهان اتفاق "أوسلو" وما أثاره من آمال وأوهام، تسعى فرنسا إلى تجنب الأخطاء التي أدت إلى فشل اتفاقية "أوسلو" والوصول إلى عملية لا رجعة فيها، عبر تحديد إطار زمني يتضمن تواريخ محددة لكل مرحلة والتزامات دولية لإحلال أفق ملموس وتحديد تاريخ لقيام دولة فلسطين، كذلك تحديد أطر يوم السلام الذي تتشارك به الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي لوضع هندسة السلام وثماره وتحديد روزنامة السياق. وتشير المصادر الفرنسية إلى أن ذلك لا يمكن أن يتحقق من دون مشاركة وانتظام الولايات المتحدة.
تعبئة دولية
وإن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يكثف جهوده لتعبئة دولية لإنجاح المؤتمر الذي يهدف إلى حل الدولتين، تبدو فرنسا متريثة بخصوص الاعتراف بدولة فلسطين، وتفضل، حسب مصدر دبلوماسي رفيع، أن يأتي الاعتراف بصورة جماعية، على رغم أن الاعتداءات التي تكثفت في الفترة الأخيرة ضد الفلسطينيين في الضفة قد لا تؤدي إلى النتائج المرجوة، بعد تهديد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية.
وقد عملت فرنسا والسعودية على وثيقة روزنامة أو خطة عمل مشتركة بين الدولتين اللتين تترأسان المؤتمر، سيتم الكشف عنها في الثامن من يونيو ومواصلة العمل عليها إلى جانب معظم الدول، وستتضمن حلاً ملموساً يتلخص بالنقاط التالية:
وقف إطلاق النار ويوم السلام واليوم التالي والخطة المصرية والمقترحات والخطط الأخرى، التي يكون هدفها إنشاء دولة فلسطين والاعتراف بدولة إسرائيل وعدم مشاركة "حماس" وتقوية السلطة الفلسطينية، وهذا يتطلب مشاركة واضطلاع الفاعلين الإقليميين.
وقد قامت أطراف إقليمية، بخاصة مصر وقطر، بالتعاون مع الولايات المتحدة، بأداء دور أساس في التهدئة، كما قدمت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خطة إعادة إعمار شاملة في الرابع من مارس (آذار) 2025، تهدف إلى تمهيد الطريق نحو تنفيذ حل الدولتين.
للمرة الأولى، تقرر أن يكون التنفيذ هو الغاية الأساسية منذ مرحلة إنهاء الأزمة، وذلك ضمن إطار متعدد الأطراف يستند إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مبادئ تنفيذ حل الدولتين
1.سريع ومحدد بإطار زمني ولا رجعة فيه: يجب أن يكون التنفيذ مرهوناً بقرارات واضحة تدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة وضمانات أمنية وإعادة إعمار ومكافحة الجهات المعرقلة وتحرك دولي منسق.
2.جوهري: يجب أن يفضي إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة تعترف بها إسرائيل، باعتبار الدولة الفلسطينية شرطاً للسلام لا نتيجة له.
3.مرن وشامل: يعتمد التنفيذ على قبول جميع المشاركين في المؤتمر لحل الدولتين كإطار مرجعي، مع الدفع نحو عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
4.مستقل عن المتغيرات السياسية المحلية: يجب ألا يتأثر التنفيذ بالتغيرات الانتخابية أو الظروف المحلية والإقليمية. المطلوب ضمان تنفيذ لا يمكن التراجع عنه، من خلال قرار أممي واسع الدعم وآليات ملموسة.
5.مرتبط بحقوق الشعوب وتطلعاتها للسلام: يجب أن يحقق حقوق الفلسطينيين والإسرائيليين في العيش بسلام وأمن وكرامة، في منطقة مزدهرة ومتكاملة خالية من الكراهية والحروب.
الأساس القانوني لعقد المؤتمر
استناداً إلى قرار الجمعية العامة رقم ES-10/22، الذي طلب رأياً استشارياً من محكمة العدل الدولية حول السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم القرار 79/81 حول "التسوية السلمية لقضية فلسطين"، تقرر عقد هذا المؤتمر بالدورة الـ79 للجمعية العامة في نيويورك في يونيو 2025.
أهداف المؤتمر
• تسريع تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في شأن فلسطين وحل الدولتين.
• تحديد الإجراءات المطلوبة من جميع الأطراف.
• تنسيق الجهود الدولية وتوفير الموارد اللازمة.
مشاركة الأطراف المعنية
يشمل المؤتمر:
• الدول الأعضاء على أعلى مستوى.
• الأمين العام للأمم المتحدة.
• رئيس الجمعية العامة.
• المراقبون الدائمون.
• وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة والمؤسسات المالية الدولية.
هيكل المؤتمر
• الجلسة العامة: تتضمن الافتتاح بكلمات رئيس الجمعية العامة والأمين العام ورؤساء المؤتمر وكلمات الدول والمراقبين، ثم جلسة ختامية.
• ثماني موائد مستديرة:
1. دولة فلسطينية ذات سيادة تعيش جنباً إلى جنب بسلام مع إسرائيل – برئاسة الأردن وإسبانيا.
2.الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين – برئاسة إندونيسيا وإيطاليا.
3. سردية السلام – برئاسة كندا وقطر.
4.الجدوى الاقتصادية للدولة الفلسطينية – برئاسة اليابان والنرويج.
5.العمل الإنساني وإعادة الإعمار – برئاسة مصر والمملكة المتحدة.
6.حماية حل الدولتين – برئاسة المكسيك وتركيا.
7. تعزيز احترام القانون الدولي – برئاسة البرازيل والسنغال.
8. مبادرة "جهود يوم السلام" – برئاسة جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
النتائج المتوقعة
ستعتمد في ختام المؤتمر وثيقة عمل بعنوان:
"التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين"، وتهدف إلى وضع خريطة طريق واضحة لا رجعة فيها، لتحقيق السلام وقيام دولة فلسطينية مستقلة وضمان اندماج إقليمي وأمن مستدام، بعيداً من المسارات السابقة غير المثمرة.
ستلتزم الدول المشاركة عرض إجراءات ملموسة – فردية أو جماعية – للوفاء بالتزاماتها القانونية، دعماً لحل الدولتين.
كما قد يوصى بآليات لضمان استمرار التزام المجتمع الدولي بمرافقة الأطراف ورصد مدى الالتزام والتصدي لأي خروقات، بما يضمن استدامة الحل.