Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسيرة الشيباني... من ساحات المعارك إلى المحافل الدولية

الخارجية السورية لـ"اندبندنت عربية": تبنى سياسة خارجية تهدف إلى إعادة دمج البلاد في المجتمع الخارجي من خلال الانفتاح على الدول العربية والإقليمية والغربية

يعد أسعد الشيباني شخصية محورية في مرحلة سوريا الجديدة (أ ف ب)

ملخص

رجل المهام المستحيلة ومهندس الانفتاح... كيف أصبح الشيباني لاعباً محورياً في سوريا الجديدة؟

من ساحات المعارك المحاصرة إلى قاعات المؤتمرات الدولية، تشكل مسيرة أسعد الشيباني صورة غير تقليدية للدبلوماسي السوري في بلد مزقته الحروب، فيقود خارجية البلاد وسط معادلات إقليمية معقدة وتحولات سياسية دراماتيكية متسارعة.

برز اسم الشيباني كواحد من أكثر الشخصيات تأثيراً في مرحلة إعادة بناء الدولة السورية، فمن قيادي ميداني في "هيئة تحرير الشام" خلال أصعب مراحل الصراع، إلى مهندس السياسة الخارجية لسوريا الجديدة، تختصر سيرة الشيباني تحولات الانتفاضة السورية بكل تناقضاتها، من السلاح إلى السياسة، ومن السرية إلى العلن، ومن المعارضة المسلحة إلى العمل الدبلوماسي الرسمي. في هذا التقرير نرصد أبرز محطات حياته، ونوثق كيف أصبح "رجل الظل" لاعباً رئيساً على الساحة الدبلوماسية، في وقت لا تزال فيه سوريا تبحث عن مكان لها بين الدول بعد أعوام من العزلة والدمار.

صفقة الفوعة والزبداني

في مطلع أبريل (نيسان) 2017 كانت الحرب السورية في ذروتها، قصف مدفعي وصاروخي وجوي على مختلف بقاع جغرافيا البلاد والطيران الروسي يغطي سماء سوريا والجماعات الإيرانية تنتشر من الجنوب إلى الشرق، وتنظيم "داعش" الإرهابي يسيطر على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا، أما فصائل "الجيش السوري الحر" فلا تزال تحيط بدمشق من كل جوانبها، يشاركه - أي الجيش الحر - "هيئة تحرير الشام" و"جيش الفتح"، وغيرهما من الفصائل المعارضة.

في الشمال السوري، تحديداً في ريف إدلب، استطاعت قوات المعارضة محاصرة بلدتي كفريا والفوعة ذات الغالبية الشيعية (معقل "حزب الله" والجماعات الإيرانية سابقاً)، مقابل فرض النظام وحلفائه الإيرانيين حصاراً على مخيم اليرموك في محيط دمشق، وعدة قرى وبلدات بريف العاصمة، منها بلدتا مضايا والزبداني.

المشروع الإيراني في سوريا كان يديره قاسم سليماني، وبعد مفاوضات عسيرة شاركت بها قوى إقليمية، تمكنت أطراف الصراع من التواصل إلى ما سمي "اتفاقية المدن الأربع"، والتي تقضي بأن تقوم قوات المعارضة بفك الحصار عن قريتي كفريا والفوعة، وإخراج ما يصل إلى 8000 شخص بينهم مسلحون من المجموعات الموالية للنظام باتجاه مدينة حلب، مقابل تأمين خروج 3800 شخص من قوات المعارضة الموجودين في الزبداني باتجاه إدلب. وبعد الاتفاق على صيغة الاتفاق وصلت الأطراف إلى مرحلة التوقيع، ليظهر القيادي في "هيئة تحرير الشام" زيد العطار أو "أبو عائشة" كما كان يعرف ليوقع على الاتفاق. ثم مرت الأعوام والأشهر، وانتقل العطار من قيادي يعمل خلف الكواليس في صفوف "هيئة تحرير الشام" إلى "ثعلب" الدبلوماسية السورية بمنصب وزير للخارجية يمثل البلاد في المحافل العربية والدولية باسمه الحقيقي أسعد حسن الشيباني.

من ضفاف الفرات إلى إدلب

في بلدة أبو راسين بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، ولد الشيباني عام 1987، وحمل هذا الاسم نسبة إلى قبيلة بني شيبان العربية التي ينتمي إليها. ومنذ نعومة أظفاره انتقل الطفل الفراتي مع عائلته إلى العاصمة دمشق، حيث أكمل تعليمه الأساس والثانوي. دفعه شغفه باللغة الإنجليزية إلى الدخول لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق، حتى تخرج فيها عام 2009 حاملاً إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، هذا التخصص أتاح له الاطلاع على الأدب والثقافة الغربية، مما أسهم في توسيع آفاقه الفكرية نحو الغرب.

مع اندلاع الانتفاضة السورية في منتصف مارس (آذار) 2011، التحق الشيباني بركبها منذ اللحظات الأولى لانطلاقها، وشارك في جميع المحطات التي مرت بها. ومع تأسيس "جبهة النصرة" في سوريا انضم إليها، وبعد قرار "جبهة النصرة" بفك الارتباط بتنظيم "القاعدة" وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام"، واتخاذها قراراً بعدم مقاتلة أي طرف سوى نظام الأسد، أصبح الشيباني هو المتحدث الرسمي باسم الجبهة. وفي عام 2016 استقر في محافظة إدلب ليبدأ مسيرة سياسية مكثفة، فشارك في تأسيس "حكومة الإنقاذ السورية" التي كانت تدير أمور مدينة إدلب، وأسس "إدارة الشؤون السياسية" التابعة لحكومة الإنقاذ. وعلى رغم استقراره في إدلب، قرر متابعة مسيرته التعليمية فحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة صباح الدين زعيم في مدينة إسطنبول عام 2022، ثم تابع الدراسة بهدف الحصول على درجة الدكتوراه في التخصص نفسه بالجامعة ذاتها.

واجهة الدبلوماسية السورية

للشيباني 4 أسماء مستعارة كان يستخدمها خلال أعوام الانتفاضة السورية، لأسباب أمنية، وهي: أبو عائشة وحسام الشافعي وزيد العطار وأبو عمار الشامي. وخلال عمله في "هيئة تحرير الشام" كان مسؤولاً مباشراً عن إدارة العلاقات الخارجية في الهيئة، إضافة إلى إشرافه الكامل على ملف المقاتلين الأجانب، لذلك تمكنت خلال الأعوام الماضية من إقامة علاقات متميزة مع الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في شمال غربي سوريا، مما أسهم في تسهيل العمل الإنساني لمساعدة ملايين المهجرين في الشمال السوري، وأيضاً خلال فترة وجوده في رئاسة "إدارة الشؤون السياسية" في إدلب، فوضته الهيئة للتفاوض مع الفرنسيين بخصوص فرقة مقاتلين متطرفين من أصول فرنسية موجودة في إدلب، وكانت لديه اتصالات مع الفرنسيين بخصوص قضايا ضبط الهجرة غير الشرعية من إدلب، كل هذا مكنه من معرفة نوع الدبلوماسية التي يمكنها من خلالها التعامل مع الدول الأوروبية.

بقي الشيباني رجل الظل والدبلوماسي الأبرز في "سوريا المشتتة" خلال الأعوام الثلاثة السابقة، لكن قراراً صدر في الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، بعد يومين فقط من سقوط النظام، يقضي بتشكيل حكومة تسيير أعمال لمدة 3 أشهر في سوريا، ليجري الإعلان عن اختيار أسعد الشيباني وزيراً للخارجية في هذه الحكومة. واستمر في منصبه لغاية الـ30 من مارس (آذار) 2025، ليتم بعدها اختياره أيضاً وزيراً للخارجية في الحكومة السورية الجديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الشيباني... صوت سوريا في المحافل الدولية

منذ الأيام الأولى لتعيينه وزيراً للخارجية، بدأت مسيرة الشيباني الدبلوماسي تتجاوز الحدود السورية، فأجرى في يناير (كانون الثاني) 2025 جولة إقليمية شملت السعودية ودولة قطر والإمارات والأردن، وفي فبراير (شباط) شارك للمرة الأولى في قمة الحكومات العالمية بمدينة دبي. وعلى رغم التوتر بين سوريا الجديدة والعراق، أجرى الشيباني زيارة إلى بغداد في مارس الماضي، حيث التقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وناقشا سبل تعزيز التعاون بين البلدين.

تميز الشيباني خلال حديثه في المؤتمرات الصحافية والكلمات التي يلقيها، بسرعة البديهة وقدرته على الإجابة السريعة عن أي سؤال، فتحدث ملياً عن أن "سوريا استعادت حريتها وكرامتها بعد عقود من الاستبداد"، وأوضح أن الحكومة الجديدة تسعى إلى بناء علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل. وعلى رغم الانفتاح الشديد على كل دول العالم، فإن العلاقة مع روسيا وإيران لها معيار آخر، وقال الشيباني "العلاقات مع روسيا وإيران لا تزال تمثل جرحاً مفتوحاً للشعب السوري".

يعد الشيباني شخصية محورية في مرحلة سوريا الجديدة، خصوصاً أنه جمع بين الخبرة السياسية والنشاط الثوري والعمل الإنساني والدبلوماسية الدولية، مما جعله مؤهلاً لحمل حقيبة الخارجية السورية، خصوصاً مع الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها، والعلاقة التاريخية بينه وبين رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع.

مهندس الانفتاح السوري

مصدر في وزارة الخارجية السورية يقول في تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" إن "وزير الخارجية أسعد الشيباني، منذ تعيينه في منصبه، تبنى سياسة خارجية تهدف إلى إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي من خلال الانفتاح على الدول الإقليمية والدولية، والسعي إلى رفع العزلة الدبلوماسية التي عانتها سوريا خلال أعوام الحرب، إضافة إلى تعزيز العلاقات مع الدول العربية، بخاصة دول الخليج، لإعادة بناء العلاقات السياسية والاقتصادية، وفتح قنوات جديدة مع الغرب وآسيا بهدف تنويع الشراكات الدولية وتوسيع نطاق التعاون".

وأضاف المسؤول السوري أن "الشيباني التقى مرات عدة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وأشاد في أكثر من مناسبة بالدعم السعودي لسوريا، واعتبره جاء في وقت يحتاج إليه السوريون، معرباً عن شكره للسعودية وقيادتها ومؤسساتها على الدعم. كما أكد أن قوة شراكة سوريا والسعودية تنبع من المصالح المشتركة، مشدداً على أهمية التعاون في مجالات إعادة الإعمار والاستثمار، كذلك حرص وزير الخارجية على تقوية العلاقات السورية مع جميع الدول العربية، فزار قطر والإمارات والأردن وغيرها من الدول، لتأكيد عودة البلاد إلى عمقها الحقيقي وهو العمق العربي".

ويؤكد المسؤول في وزارة الخارجية السورية أن "الشيباني التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بعد إعلان الرئيس دونالد ترمب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا. هذا اللقاء إضافة إلى لقاء ترمب والشرع في السعودية، يعتبر حقبة جديدة للعلاقات السورية - الأميركية، وهو حدث لم يحصل منذ عقود. وإضافة إلى ذلك أسهم الشيباني في إحداث تغيير فريد من نوعه بعلاقات سوريا الخارجية وهو إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وكوريا الجنوبية في خطوة تاريخية".

إنجازات وتحديات

شارك وزير الخارجية السوري في منتدى "دافوس" الاقتصادي العالمي 2025، حيث مثل سوريا للمرة الأولى، وشارك أيضاً في مؤتمر ميونيخ للأمن 2025، حيث التقى مسؤولين دوليين عدة، بما في ذلك ممثلون عن الأمم المتحدة، بعد ذلك حط في بغداد ممثلاً لسوريا في القمة العربية بدورتها الـ34، حيث ألقى كلمة أكد فيها تمسك الشعب السوري بعروبته، واعتبر البيت العربي هو الملاذ.

عمل الشيباني على إعادة تنظيم وزارة الخارجية لتكون أكثر كفاءة وشفافية، إذ عين كوادر جديدة وأنشأ أقساماً جديدة وأسس أقساماً متخصصة بالعلاقات مع الدول العربية والغرب وآسيا وأفريقيا، إضافة إلى قسم خاص بشؤون المغتربين، وأطلق منصات تواصل إلكترونية لتسهيل التواصل مع المواطنين والمغتربين، وتقديم الخدمات القنصلية بصورة أكثر فاعلية. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الجديدة، تبنى الشيباني سياسة تقوم على الانفتاح على العالم وتعزيز التعاون الإقليمي، لا سيما العربي.

على رغم الوتيرة السريعة في إعادة دمج سوريا بالمجتمع الدولي والصورة الانفتاح التي تقدمها الخارجية لدول العالم، يرى مراقبون أن الشيباني يواجه تحديات كبيرة في إدارة وزارة الخارجية، منها إعادة بناء الثقة الدولية، فمنذ عام 1979 تعتبر سوريا "دولة راعية من الإرهاب"، وفصل سوريا عن الإرهاب واحد من أكبر التحديات التي تواجهها سوريا الجديدة.

إذاً، من رحم المعاناة خرج أسعد الشيباني حاملاً إرث الانتفاضة وتحدياتها، متحولاً من رجل بأسماء مستعارة إلى واجهة السياسة الخارجية لسوريا. وبينما يحاول إعادة صياغة صورة بلاده في أعين العالم، يخطو بثبات في حقول ألغام سياسية ودبلوماسية، محاولاً انتزاع سوريا من عزلتها الطويلة وإدماجها مجدداً في المنظومة الدولية.

اقرأ المزيد

المزيد من بيوغرافيا

OSZAR »