ملخص
"الهضاب تحقق في العادة التوازن البيئي بينها وبين رمال الشاطئ، ونهب رمالها يسهم في عدم توازن المنظومة الأيكولوجية المتمثلة أساساً في الحشرات والزواحف والسلاحف التي تعيش في الرمال وبسرقتها يمكن القضاء على هذه الكائنات المهمة".
في الوقت الذي تعيش فيه تونس تحديات اقتصادية متفاقمة، تنهب ثرواتها الطبيعية تحت أعين الجميع وعلى رأسها "رمالها الذهبية" التي تحولت إلى هدف مربح لشبكات غير قانونية أو أفراد يستغلون الرمال والحجر والحصى بشكل غير شرعي، مما يهدد البيئة. ويرى خبراء في الجيولوجيا أن الفراغ التشريعي وضعف الرقابة يمثلان بيئة خصبة لنهب الرمال.
ملف الرمال في تونس لم يعدو مجرد قضية بيئية بل بات عنواناً صارخاً لسوء التصرف في الثروات الوطنية، وعلى رغم بعض الخطوات الأمنية الرادعة على غرار إيقاف رجل أعمال في منطقة بوعرقوب بمحافظة نابل التونسية وذلك لاستغلاله مقاطع بشكل غير قانوني، فإن النهب لا يزال مستمراً وسط غياب آليات رقابية ناجعة وتشريعات ردعية للحد من هذه الظاهرة المضرة بالتوازن البيئي بخاصة على شواطئ تونس الذهبية التي أصبحت مهددة بسبب الانجراف.
حتى إن رئيس الجمهورية قيس سعيد اعتبر عند لقائه بوزير البيئة أن الانجراف الذي يحدث في تونس ليس طبيعياً وهو نتيجة للفساد، بحسب تقديره، قائلاً "الفساد في تونس انتشر في البحر وفي السماء وفي البر، وأصبحت مظاهر الفساد في كل مكان".
استغلال عشوائي
في هذا الصدد يعتقد أستاذ التنمية المستدامة في الجامعة التونسية عادل الهنتاتي أن الرمال في تونس يقع استغلالها من قبل بعض الأفراد والشركات بشكل عشوائي، مما يتسبب في أضرار بيئية.
كما يرى الهنتاتي، في تصريح خاص، أن غياب القوانين الرادعة والمنظمة لاستغلال هذه الثروة الطبيعية يفتح الباب أمام الاستغلال العشوائي ونهب الرمال بشتى أنواعه. كما دعا في السياق ذاته إلى ضرورة تثمين الرمال في تونس كغيرها من الثروات الأخرى كالفوسفات، موضحاً أنه "لا بد من إيجاد منظومة تشريعية كاملة" من أجل استغلال ما اعتبره ثروة هائلة.
كما حذر الهنتاتي من تغول ما وصفهم بلوبيات استغلال المقاطع الترابية بطريقة غير قانونية وعشوائية من أجل أرباح مادية هائلة في ظل غياب منظومة رقابية تردعهم. وبين أن بعض المناطق تعرضت لتآكل شواطئها بسبب الاستغلال العشوائي للرمال على غرار سواحل بنزرت شمال تونس وسواحل جهة نابل وسواحل قابس بالجنوب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من أجل تحقيق التنمية المستدامة للرمال في تونس، يشدد الهنتاتي على ضرورة وضع قوانين وأنظمة واضحة لتنظيم استغلال الرمال وتعزيز الرقابة على استغلالها، كذلك تشجيع الاستثمار في استغلال الرمال بشكل مستدام بخاصة أن تونس تمتلك ثروة رملية هائلة، يمكن أن تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
من جهته، يقول الباحث في الجيولوجيا شكري يعيش إن "سرقة الرمال هي ظاهرة مقلقة تجب محاربتها"، ويوضح أن "هناك انجرافاً يحدث بسبب عوامل طبيعية كالعواصف ويحدث على مدى وقت طويل، لكن نهب الرمال يتسبب في تسريع حركة الانجراف وتصبح الشواطئ في حالة عدم توازن بيئي"، مضيفاً "بهذا الرفع غير المشروع للرمال يحصل الانجراف في وقت قصير".
ويضيف يعيش في السياق نفسه "سرقة الرمال في بعض الأحيان لا تكون مباشرة في الشواطئ بل أيضاً في الهضاب الرملية القريبة"، موضحاً أن "الهضاب تحقق في العادة التوازن البيئي بينها وبين رمال الشاطئ، ونهب رمالها يسهم في عدم توازن المنظومة الأيكولوجية المتمثلة أساساً في الحشرات والزواحف والسلاحف التي تعيش في الرمال وبسرقتها يمكن القضاء على هذه الكائنات المهمة".
ويفيد الخبير في الجيولوجيا شكري يعيش أن "الرمال يقع استغلالها بعد تصفيتها من الشوائب في صناعات عدة كصناعة البلور ومواد الطلاء والبلاستيك والكوتش والصناعات البترولية والحديد والصلب، إضافة إلى استعماله في مجال البناء".
ثروة مهدورة
يقول الخبراء إن نقاوة رمال السيليسيوم في بعض المقاطع على غرار قرية الدويرات بمحافظة تطاوين جنوب تونس، يمكن استغلالها في إنتاج رقائق إنصاف وأشباه الموصلات.
ويعد الرمل التونسي من الرمال المطلوبة بالأسواق العالمية، وثمة شركات تونسية وأجنبية تقوم بتصديره نحو الأسواق الأوروبية، وتحديداً إلى الأسواق الإيطالية والفرنسية.
تمتلك تونس مخزوناً كبيراً من الرمل موجود في منطقة الوسلاتية في القيروان، وفي بوعرادة سليانة، وأيضاً في جبل عرباطة في قفصة وفي ولاية تطاوين بالجنوب التونسي، وتقدر الاحتياطات الرملية بنحو 200 مليار طن، منها 100 مليار طن من الرمال الصالحة للاستخدام الصناعي. وتتنوع الرمال التونسية من حيث النوع والجودة، حيث يوجد الرمل الأبيض والأسود والبني والكوارتزي.
رمل الكوارتز وهو النوع الأكثر انتشاراً في تونس، يتميز بجودته العالية، ويستخدم في صناعة الزجاج والخزف ومواد البناء، ورمل السيليكا وهو نوع آخر من الرمال ذات الجودة العالية، ويستخدم في صناعة السيراميك والبلاستيك ومواد البناء، ورمل الزجاج وهو نوع من الرمل يستخدم في صناعة الزجاج، ورمل البحر وهو نوع من الرمل يستخدم في صناعة الخرسانة ومواد البناء.
ولمعرفة آليات المراقبة التي تتبعها المصالح الرسمية المتخصصة اتصلت "اندبندنت عربية" بوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي في تونس لكنها لم تتلق رداً حتى كتابة تلك السطور.
وقامت الوكالة بحسب تقارير رسمية بإجراءات عدة للحد من سرقة الرمال وحماية الشواطئ والبيئة الساحلية من أبرزها مراقبة الشواطئ والحد من الانجراف الساحلي من خلال تنفيذ مشروع حماية الشريط الساحلي بجزيرة قرقنة بالجنوب التونسي على طول 11 كيلومتراً وأيضاً حماية سواحل محافظة سوسة على طول 4.5 كيلومتر.
إلا أن الجانب التشريعي والقانوني للحد من الاستغلال العشوائي لرمال تونس لم يحظ بعد بالاهتمام اللازم بحسب خبراء في المجال، وعلى رغم أن قانون المالية لعام 2023 أقر فرض معلوم بنحو 30 دولاراً على كل طن من رمال السيلسيوم المصدرة فإن هذا الإجراء كشف عن حجم النشاط غير المراقب مما يشير إلى استغلال مفرط لهذه الثروة الطبيعية المهدورة.