ملخص
كشف المدير العام للتوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية بوزارة التشغيل والتكوين المهني أحمد المسعودي، عن حجم التجاوزات الخطرة التي ترتكب في مجال التوظيف بالخارج، مؤكداً أن 90 في المئة منها تعود إلى مكاتب تشغيل غير قانونية، لافتاً إلى ابتزاز المكاتب للباحثين عن فرص عمل خارجية، إذ تطلب منهم مبالغ مالية باهظة قد تصل إلى 7 آلاف دولار مقابل تقديم عقود وهمية.
يلاحق حلم الهجرة عديد من الشباب التونسيين الذين يبحثون عن تحقيق طموحهم بشتى الطرق، من بينها التوجه إلى مكاتب التوظيف بالخارج التي تزايد عددها في تونس وأصبحت تعرض خدماتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى تصل بسهولة لهؤلاء الحالمين، لكن هذه المكاتب ليست معظمها قانونية، بل كثير منها وهمية، أو شبكات تحايل تصطاد فريستها من الشباب وتسلب أموالهم وتتركهم يصارعون الفشل والخيبة.
وبحسب إحصاءات رسمية بلغ عدد الشكاوى التي تم رفعها ضد مكاتب تشغيل غير قانونية إلى حدود اليوم 71 شكوى، أحيلت جميعها إلى الأبحاث بوزارة الداخلية من طريق النيابة العمومية.
المفاجأة الصادمة
دفع مهدي 5 آلاف دولار إلى أحد مكاتب التشغيل بالعاصمة تونس من أجل الحصول على عقد عمل في بلد خليجي، يقول مهدي (30 سنة) ولديه شهادة جامعية "كانت فرحتي لا توصف بحصولي على عقد العمل، حلمت بتغيير وضعي المادي إلى الأفضل والأهم إرجاع المال الذي دفعه والدي بعد حصوله على قرض من البنك".
ويواصل مهدي "حزمت أمتعتي وتوجهت إلى البلد الذي سأشتغل به، لكن الصدمة كانت كبيرة"، متابعاً "اكتشفت أنني تعرضت إلى عملية تحايل، إذ كانت الشركة وهمية والعقد لا معنى له"، مضيفاً بمرارة وحسرة "أمضيت قرابة الشهر صرفت فيها كل ما أملك من مال وأنا أبحث عن عمل من دون أن أصارح عائلتي بالحقيقة، لكن في الأخير اضطررت إلى الرجوع بخيبتي بعدما شرع والدي في إرجاع القرض بفائض كبير لمدة ثلاثة أعوام".
مهدي وغيره من مئات الشباب العاطل عن العمل الذي يطمح إلى تحسين ظروفه المادية يجد نفسه أحياناً مضطراً إلى التوجه إلى مكاتب التشغيل التي أصبحت تعرض خدماتها على وسائل التواصل الاجتماعي فاتحة أبواب الجنة على مصراعيها، ورغم تحذير السلطات من مكاتب التشغيل غير المعتمدة لكن الضحايا والحالمين بأفق أرحب من السهل أحياناً وقوعهم في شراك هذه الشبكات.
مجدي أيضاً شاب حلم بالهجرة قصد تحسين وضعه المادي فاعترضه منشور عبر "فيسبوك" لشركة تقول إنها متخصصة في إبرام عقود شغل لشباب يريد العمل في مجال البناء في ألمانيا فهرع وأرسل إليها طلب استفسار، فاتصلوا به وطلبوا منه تحضير كل أوراقه وملفه ليسافر بعد شهر، لأن الشركة تطلب عمالاً في أقرب وقت.
يقول مجدي، "لم أتصور أن الأمر سيكون سهلاً بهذه الطريقة، بخاصة أنهم أرسلوا لي نسخة من عقد الشغل"، واصل الشاب الثلاثيني" قامت أمي ببيع ذهب كانت تملكه، وأمن أخي الأكبر الباقي لأحصل على العقد وأسافر إلى ألمانيا".
ويضيف مجدي، "لكن بعد مقابلة صاحب الشركة الذي أعطاني العقد مقابل 4 آلاف دولار، وأكد أنهم سيتصلون بي بعد ثلاثة أسابيع لتحديد موعد السفر، كانت المفاجأة صادمة، فبعد طول انتظار لم تتصل الشركة، وحاولت الاتصال بهم، لكن كل الخطوط مغلقة حتى الشركة لم تعد موجودة وأبوابها موصدة".
تيقن الشاب الثلاثيني أنه تعرض لعملية تحايل، وتحدث مجدي بحسرة قائلاً "تحول الحلم إلى كابوس لا يزال إلى اليوم يلاحقني".
استغلال وتحايل
كشف المدير العام للتوظيف بالخارج واليد العاملة الأجنبية بوزارة التشغيل والتكوين المهني أحمد المسعودي، عن حجم التجاوزات الخطرة التي ترتكب في مجال التوظيف بالخارج، مؤكداً أن 90 في المئة منها تعود إلى مكاتب تشغيل غير قانونية.
وأوضح المسعودي، خلال تصريح إعلامي، أن الهياكل العمومية على غرار الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل والوكالة التونسية للتعاون الفني، تتدخل ضمن إطار قانوني واضح لتأمين الوساطة في مجال التوظيف بالخارج، بهدف حماية طالبي الشغل من جميع صور الاستغلال والتحيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشمل التجاوزات التي تمارس ضد طالبي الشغل بحسب المسؤول الحكومي، "ابتزازهم بطلب مبالغ مالية باهظة قد تصل إلى 20 ألف دينار أو أكثر أي نحو 7 آلاف دولار، إضافة إلى تقديم عقود وهمية، أو تغيير طبيعة العقود من دون علم المعنيين بالأمر، وصولاً إلى احتجاز الوثائق الرسمية ومنع الأفراد من حرية التنقل".
وقال المسؤول، "تمت معاينة حالات اتجار بالبشر، بخاصة في صفوف الفتيات، اللاتي يتعرضن لضغوط نفسية وجسدية لاستغلالهن"، لافتاً إلى أن البعثات الدبلوماسية التونسية بالخارج تتلقى بدورها شكايات من متضررين، وتقوم بإبلاغ الجهات المعنية بها.
وأشار المسعودي إلى أن المؤسسات الخاصة المرخص لها تخضع لمراقبة مستمرة، وفي حال تسجيل مخالفات بسيطة يتم توجيه إنذار كإجراء أولي، ثم تتدرج العقوبات لتشمل السحب الوقتي أو النهائي للترخيص، بحسب خطورة التجاوز.
أما بخصوص المكاتب غير المرخص لها، فأكد المسعودي أن الوزارة تتلقى شكايات ضدها، ويتم التدخل فوراً بالتنسيق مع النيابة العمومية، كما يتم رصد أنشطتها عبر مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، ورفع المخالفات إلى الجهات القضائية المتخصصة.
من جانبه قال وزير التكوين المهني والتشغيل، رياض شود، إنه لا بد من مراجعة القانون المتعلق بإحداث مكاتب التوظيف بالخارج وتبسيط الإجراءات وتشديد المراقبة وتقييم عمل هذه المكاتب حماية للتونسيين من عمليات التحايل.
تنظيم الممارسات
وأضاف الوزير قبل أيام قليلة خلال إشرافه على افتتاح ورشة عمل لمناقشة مشروع القانون المتعلق بتنظيم ممارسة المؤسسات الخاصة لنشاط التوظيف بالخارج، أنه منذ صدور القانون المنظم لشركات التوظيف بالخارج سنة 2010، تم إحداث 82 مكتب توظيف، غادر 18 منها القطاع إما بسبب عقوبات ضدها أو لأسباب خاصة.
وأوضح أن الـ62 مكتب توظيف التي تعمل حالياً بصفة قانونية تمكنت من توظيف 17 ألف طالب شغل، مؤكداً أن الوزارة ليست ضد إحداث مكاتب التشغيل الخاصة، بل يجب تشديد الرقابة عليها تفادياً لعمليات التحيل، وكشف عن إحالة 71 قضية ضد مكاتب غير قانونية على القضاء.
وفي سياق متصل، أشار الوزير إلى وجود اتفاقات تشغيل مع عديد الدول على غرار مذكرة التفاهم مع قطر وليبيا، إضافة إلى اتفاقية قديمة مع فرنسا وحوار متقدم مع إسبانيا وألمانيا لتشغيل عدد من طالبي الشغل، إلى جانب الاتفاقية مع إيطاليا لتشغيل خريجي مراكز التكوين المهني خاصة في قطاع البناء والأشغال العامة، مفيداً أنه تم تشغيل 400 طالب شغل سنة 2024 وسيتم تشغيل 800 خلال 2025 مع توفير 800 فرصة عمل في 2026 إضافة إلى 4 آلاف وظيفة أخرى.
وفق آخر إحصاءات صادرة إثر المسح الوطني للهجرة الدولية بتونس الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع المرصد الوطني للهجرة بدعم من المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، فإن نحو مليون و700 ألف تونسي يرغبون في الهجرة من جملة 8 ملايين و400 ألف.